“تكمن أهميّة الإبداع كما يقول (هارول أندرسون): في كونه عمليّة إنتاج تشهد كلّ لحظة من لحظاتها ولادة جوهرة ذات قيمة آنية، ليس ذلك فحسب بل تكمن الأهميّة في كون الإبداع ضرورة من ضرورات الحياة.”
ونحن الان بصدد استعراض لمجموعة شعرية جديدة رأت النور مؤخرا للشاعرة المبدعة هيام ابو الزلف التي شقت طريقها في عالم الادب لتحتل مكانة تليق بها كشاعرة مبدعة مرسخة حضورها على الساحة الادبية.
وقد اهدتني الاخت هيام مشكورة مجموعتها الشعرية الجديدة وكانت فرحتي كالمعتاد كطفل اهداه احد هدية يحبها فانا اعشق الشعر لان الشعر وقد سمي شعرا لأنه ترجمة صادقة للأحاسيس والمشاعر.
وهو ” إحدى العمليّات التي تساعد الإنسان على الإحساس وإدراك المشكلة، ومواقع الضّعف، والبحث عن الحلول واختيار صحّتها، وإجراء تعديل على النتائج، كما أنّها تهدف إلى ابتكار افكار جديدة مفيدة ومقبولة اجتماعيّاً عند تطبيقها، كما تمكّن صاحبها من التوصّل به إلى أفكار جديدة واستعمالات غير مألوفة، وأن يمتلك صفات تضمّ الطلاقة، والمرونة، والإسهاب، والحساسيّة للمشكلات، وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها. ”
وهذا ما لمسته من خلال قراءتي لقصائد الشاعرة التي تناولت فيها العديد من نواحي الحياة ومواقفها حلوها ومرها
وقد عالجت قضايا الارض والمجتمع واشادت بدور المبدعين من شعرائنا الذين رحلوا وتركوا لنا ارثا ادبيا نعتز به كسميح القاسم وسلمان ناطور ونزيه خير ونعيم عرايدة والفنانة المتألقة امد الله في عمرها السيدة فيروز.
فهيام تعشق الكتابة كعشقها للهواء والماء وهذا يبدو جليا في نبذة من قصيدتها التي زينت العلاف الاخير حيث كتبت:
لا ابالي كم عمر دون كيف ان تخلى الكيف عني قلت ” حسبي”
ليس عمري غير ايام قلائل في سواها غير مجد نبض قلبي
فهي تؤمن ان على الانسان ان يحيى حياته بالعرض لا بالطول والاهم هو الكيف لا الكم فليس مهما كم عشت من السنين بل المهم ما انتجته وقدمته من اجل مجتمعك والبشرية من اعمال خير وصلاح واراء ونصائح في سبيل تغيير المجتمع الى الافضل وذلك كما تقول في مقدمة الكتاب يتاتى للشعر ” ذلك الادب الجمي القادر على هدم اسوار اللاوعي فأثناء الكتابة يكون الشاعر على قدر كبير من اليقظة والرهافة والشفافية بحيث يتسلل حبره ما غفل عن وجوده في تلافيف العقل والروح”.
فالشاعرة هيام مطالعة من الدرجة الاولى ومتمكنة من ناصية الكلمة حيث تنقاد اليها الكلمات والصور الادبية الجميلة بسلاسة لتدخل قلب القارئ والمتلقي دون استئذان فهيام تحب الحياة بكل جوارحها وتصبو لتعيشها لحظة بلحظة اذ ان الحياة قصيرة والعاقل من يرف كيف يستفيد من كل ثانية ودقيقة اذ نحن لا نعرف ما يخبئ القدر لنا لذا تراها تكتب في قصيدة تحت عنوان الخوف:
يا حياتي ليس تكفيني حياة في شغاف القلب حب لا يهون
انشد الاعمار فيها خافق لا يعي الاعوام موصول الجنون
اطبق الجفنين قهرا من عناء والمنى حلم تلاق لا يخون
كل نبض في زماني قد غلا كيف اخشى على قلبي السكون
ويتجلى حبها وعشقها للشعر حين تقول في قصيدتها – اكتبيني ايتها القصيدة :
استوطني وجداني
استلقي على حلمي
وعندما تصلين ثمالة اليقظة
اجلسي واكتبيني
فانا جبانة حيث لا تكونين
انا لست انا حين تغادرين
كما ان الشاعرة استطاعت ان تخترق جدار التقاليد والاعراف مع حرصها على التمسك بأهداب الفضيلة والوفاء وعزة النفس والاباء مؤمنة بحرية المرأة في نطاق الادب والشرف والكرامة فها هي في قصيدتها –حرة – تقول:
كريشة خفيفة
اطير الى الابد
ولم اعد ادور في رحى احد
كذا اعيش : اولا بأول
ولن اخاف موجة اليقين
مثلما الزبد
وما اجمل ما كتبت عن قيمة الكلمة ونحن ندرك ان ” في البدء كانت الكلمة ” وذلك في قصيدتها – اسار الكلمة – التي اختارتها عنوانا لمجموعتها هذه ربما موجهة اياها الى من لا يقدرون قيمة الكلمة ومعناها :
ما اعظم لغة الله
وما اعجز لغتي
كيف لها ان تحاكي خلجاتي
وباي الكلام اترجم نبضا
موغلا في طهر صلاتي
هذا غيض من فيض مما جاء في ديوان الشاعرة اترك للقارئ مجالا للإبحار في بحر قصائده الجميلة وامواج كلماته الرقيقة التي تعبق بأريج الحياة والتفاؤل والامل.