اعتقال دارين طاطور: دولة تخاف من قصيدة/ سامي مهنا

اعتقال وسجن وحبس منزلي، وإبعاد وملاحقة شاعرة،  لمدة تصل إلى سنة كاملة، وملف جنائي لم ينتهِ بعد، جرّاء قصيدة، أمرٌ ليس طبيعيًا في أي دولةٍ ديمقراطية في العالم.

الشاعر سامي مهنا

الشاعرة دارين طاطور (35 عامًا)  من قرية الرينة قضاء الناصرة في الجليل، والتي أُعتقلت في تاريخ 10.10.15 ولا تزال حتى اليوم، ملاحقةً قضائيًا، بعد أن مكثت طوال العام الكامل بين الاعتقال والسجن المنزلي بظروف إبعاد تام عن منزلها، وسجن فعلي، وملاحقات قضائية، بسبب قصيدة، وادعاءات التحريض في موقع التواصل الاجتماعي في منشورٍ يحتمل أكثر من قراءة وتفسير. هذه الإجراءات التعسفية الخطرة من قبل أجهزة الأمن والقضاء الاسرائيلي، ومن يقف وراءها من عقلية وفكر وتوجه داخل الأجهزة الأمنية العميقة، كجهاز الشاباك، تعيد إسرائيل برمتها إلى سنوات الملاحقات التي استهدفت الكلمة والموقف تلك الفترة التي تعرض فيها شعراء المقاومة الفلسطينية إلى الملاحقات والسجون والإقامات الجبرية، والتصفيات، التي ذهبت إلى ما وراء الحدود، كاغتيال الأديب الفلسطيني، غسان كنفاني، الذي لم يحمل سلاحاً يومًا، ولم يشارك في أي عملية عسكرية، ولم يقاوم ظروفه وظروف شعبه كمهجر من أرضه ووطنه قسرًا، سوى بقلمه، واغتيال الشاعر كمال ناصر وكمال عدوان وغيرهم.

20161011144739

ملاحقة وسجن شاعرة من قبل دولةٍ  تطلق على نفسها ‘واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط’، لا يُسقط إسرائيل من أعالي شعارها الذي تدعيه فحسب، بل يشير إلى هشاشة ثقة هذا الكيان بنفسه، وتدلّ على أنه لا يوجد توجه فعلي نحو ترسيخ القيم الديمقراطية والعدل والعدالة الاجتماعية بين مواطنيهما، رغم أنه من المفترض أن تتعامل  بحكمة وتفهم أكبر، وعدلٍ وإنصاف، مع الأقلية العربية الفلسطينية الأصلانية، التي سلبت منها الأرض والسيادة والتاريخ والجزء الأكبر من المكان، والامكانات  والتمكن من العيش والنمو كأي شعب على وجه الأرض.

فحكومات اسرائيل التي تعرقل عميلة السلام، وحل الدولتين، عبر توطيد الاحتلال ومضاعفة المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967، والتي تسعى لتقطيع الضفة الغربية إلى كنتونات بعد أن فصلتها بشكل كامل عن غزة، وتعلن أن القدس هي عاصمة اسرائيل الأبدية، لا تزال تتعامل مع من بقي في أرضه التاريخية من عرب فلسطينيين، بعد عقود طويلة بعداوة تُترجم على أرض الواقع دومًا، وقضية دارين طاطور أحد أشكالها وتجسداتها.

وللتنويه، نحن نرى ونقرأ يوميًا في المواقع العبرية، وفي صفحات التواصل الاجتماعي، عشرات المنشورات والتعقيبات التحريضية المتطرفة، ومنها دعوات للتصفية والقتل، من قبل مواطنين يهود، ولم نسمع عن اعتقالات أو ملاحقات، طالما بقيت في إطار رأي شخصي، ولذلك نرى أن قضية الشاعرة دارين طاطور أسوة بكل الملاحقات السياسية، التي يتعرض لها المواطنون العرب والناشطون السياسيون الشرفاء حتى من اليهود،  تُسقط القناع عن الوجه الحقيقي للمؤسسة الإسرائيلية وتعرّي قيمها المتناقضة، وتفضح الجوهر الفعلي لدولة الأبرتهايد والتمييز العنصري.

الحرية لدارين طاطور، وللمعتقلين والأسرى السياسيين، أسرى الحرية، الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية، والحرية للموقف والانتماء والكلمة الحرة وحق التعبير، ولن ترهبنا ممارسات القمع والاستهداف العنصري، وسنسعى دومًا، بالموقف والكلمة والعمل والنضال، لإحلال السلام العادل والمساواة، رغم أنف أعداء العدل والسلام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .