التحريض الإعلامي العبري الأرعن خلال الاسبوع الماضي على القائمة المشتركة لعدم مشاركة نوابها في تشييع جنازة رئيس الدولة التاسع شمعون بيرس، ما هو إلا حملة ديماغوغية تحريضية أخرى على قيادة الجماهير العربية، وهو امتداد لحملة التحريض المتواصلة التي يتبناها ويقودها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بنفسه ضد المواطنين العرب في هذه البلاد.
بدون الإسهاب في التحليل العميق في التطرق لمسيرة شمعون بيرس وسيرة حياته وشخصيته ودوره المركزي كأحد رواد الحركة الصهيونية منذ قيام الدولة ونكبة شعبنا العربي الفلسطيني، حيث كانت بداية مسيرته السياسية مساعدا لبن غوريون، ومديرا عاما لوزارة الأمن، ومن قياديي العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، الذي كان هدفه الأساسي إسقاط نظام جمال عبد الناصر وإعادة تهجين مصر راكعة وخانعة للاستعمار وأدواته في المنطقة.
كيف لنا أن ننسى أن بيرس هو من أقام وأسّس المفاعل النووي في (ديمونه)، هذا المشروع الكارثي الذي جلب سباق التسلح النووي الى المنطقة التي كانت آمنة وخالية من الأسلحة المحرّمة دوليا، وفرض بذلك الهيمنة العسكرية العدوانية على الشرق الاوسط بكامله، وهو من ساهم في حينه في شن الحرب العدوانية على دول الجوار في الخامس من حزيران عام 1967. شمعون بيرس صاحب الباع الطويل في تشريد الشعب العربي الفلسطيني والمشروع الاستيطاني الكولونيالي على الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، بما في ذلك هضبة الجولان السورية المحتلة، حيث ما زال هذا الاحتلال البغيض جاثما على صدور ابناء الشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا، ويدخل عامه الخمسين، على الرغم من أنف اتفاقيات اوسلو!!.
لا تزال سياسة حكومات اسرائيل المتعاقبة متواصلة، ويمارس الاحتلال الاسرائيلي سياسة البطش والتنكيل بحق أبناء الشعب الفلسطيني بالذريعة “الأمنية” الممجوجة، ولنكن سُذّجًا ومحدودي الرؤية والأفق ولنترك كل ما سلف جانبا، ولنتكلم عن شمعون بيرس من وجهة نظر أخرى تجاهلها الإعلام واعتقدنا أن لشمعون بيرس وجها آخرًا كما دأب على تصويره عامدًا ومتعمِّدا، عن دوره بصفته كان الرجل الاول في الدولة باتخاذ القرارات في مراحل زمنية كثيرة ومتواصلة تجاه المواطنين العرب في هذه البلاد:
بيرس شغل منصب رئيس الحكومة، ووزير الخارجية، ووزير المالية، ووزير “الأمن”، وأخيرا رئيسا للدولة. خلال فترات تولّيه هذه المناصب لم يخطر على بال بيرتس الرجل الأول في الدولة وصاحب القرار المؤثِّر في المؤسسة الحاكمة، بأن اكثر من مليون و 200 الف مواطن عربي هم اصحاب هذه البلاد الأصليين يعيشون على أرضهم وفي وطنهم، وطن الآباء والأجداد، ولهم حقوق قومية ومدنيه؟!. بيرس وحزبه مارسا ضد المواطنين العرب في البلاد سياسة عنصرية بامتياز، فهل يمكن أن ننسى مفردات هذه السياسة العدوانية التمييزية الوقحة مثل :” عربي قذر ” (المعذرة من القراء)، فهل أعرب شمعون بيرس عن استنكاره مرة واحدة للتفوُّهات العنصرية المسمومة للراب عوفاديا يوسيف بحق المواطنين العرب!؟، هل استنكر وشجب تطرّف وعنصرية رحبعام زئيفي الدموية تجاه الأقلية الفلسطينية في البلاد!؟، هل ساهم بتنفيذ قرار المحكمة العليا بإرجاع أهالي قريتي اقرت وكفر برعم الى قراهم!!؟، هل استنكر تهجير واقتلاع بدو النقب ومخطط برافر!؟ وهل نسينا ظلم الحكم العسكري في الستينيات ويوم الارض الخالد في السبعينيات، فهل نحن مصابون بمرض النسيان “الزهايمر” !؟، وأراضينا مازالت مسلوبة ومصادرة، نُمنع من البناء عليها، محرومون من العيش بكرامة في وطننا الذي لا وطن لنا سواه .
وماذا عن العقد ونصف العقد الأخيرين؟، ألم يكن شمعون بيرس موافقا أو صامتا (والسكوت علامة الرضا) على سياسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التميّزية التحريضية تجاه المواطنين العرب؟! فهل يا ترى لم يستطع الرجل الأول في الدولة وقف سلب ومصادرة اراضينا !؟ فقد كنا نملك 90% من الاراضي، والان نملك 2,7% فقط منها. فهل ساهم بإعادة ولو دونم واحد من الأراضي المصادرة إلى اصحابها الشرعيين!؟ وهل كانت له أدنى مبادرة لتحقيق المساواة التامة للمواطنين العرب في البلاد ووقف السياسة التمييزية تجاههم في جميع المجالات!؟
نعم، هذا هو الجانب الاخر “الضيق” المخفي عنا والذي يتجاهله ربما عن عمد وسبق إصرار كل رافعي لواء التحريض ضد القائمة المشتركة وقيادة الجماهير العربية، والحقيقة ستبقى أن 80% من المواطنين العرب مع موقف القائمة المشتركة.
تم تشييع شمعون بيرس يوم 30 ايلول 2016، يعني، يجب أن لا يغفل عن بالنا أن هذا التاريخ هو اليوم الذي يسبق الذكرى السادسة عشر لهبة اكتوبر 2000، التي استشهد فيها ثلاثة عشر شابا عربيا في البلاد. سبحنا وما زلنا نسبح ضد التيار لأن السمك الحي هو من يسبح ضد التيار ويقاومه، وأبينا أن نضع رؤوسنا كالنعامة في الرمال، فـكل اكتوبر وأنتم بخير.