دعا وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي والنائب البرلماني، الإدارة الأمريكية إلى إبداء “مزيد من الاهتمام بالمنطقة، ومزيد من التدخل”، مبديا تخوفه من إضعاف سعد الحريري زعيم تيار المستقبل المعارضة لسياسات حزب الله في لبنان، معلنا أنه يفضل الانتحار على مصافحة بشار الأسد.
وقال وليد جنبلاط في حوار مع مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط ردا على سؤال عما إذا كان سيعقد مصالحة مع الأسد في حال بقائه: “كلا، لن أفعل ذلك. فهذا يعني نهايتي السياسية. أفضل الانتحار بشروطي أنا بدلا من الذهاب إلى سوريا ومصافحة بشار”.
وأضاف جنبلاط: “بشار سيبقى لسوء الحظ، وبشكل وقح، وبطريقة لا أخلاقية. وذلك بفضل الروس، ولا مبالاة الأمريكيين، وبالتحديد أوباما، وبالطبع بفضل إيران. ونحن نستشف مؤخرا مؤشرات جديدة عن تحول تركي مثير للقلق للغاية. إذ يتردد أنه قد يعقد اجتماع بين بشار الأسد وأردوغان في موسكو. بالنسبة إلى الأتراك، الهم الأساسي هو التهديد الكردي، وهم الآن يتعاطون مع الأكراد، ويتناسون معاناة الشعب السوري. يا له من مصير رهيب يتلظى به الشعب السوري. إنه متروك لمصيره في لعبة النفوذ الكبرى هذه، وهو عرضة إلى التدمير والترحيل في هذه اللعبة اللا أخلاقية”.
وتابع: “سأتمسك بمعارضتي السياسية والأخلاقية لممارسات النظام السوري. أشعر بضيق وكرب شديدين لأنه بعد خمسة أعوام، لا يزال الأسد في السلطة، ولا يزال النظام قائما، لأنه استفاد من التحالفات الشيطانية والمتبذلة، ومؤخرا من مواقف الأمم المتحدة”. وزاد: “الفضيحة التي ظهرت مؤخرا حول مساعدات الأمم المتحدة إلى سوريا تتنافى مع ادعاءات المنظمة بأنها تعمل من أجل حماية حقوق الإنسان. لقد قدمت الأمم المتحدة ملايين الدولارات لمساعدة سوريا، لكن الأموال أُرسلت إلى عائلة الأسد، وفي شكل أساسي إلى عقيلة بشار الأسد. الأمم المتحدة أقرت بهذا الأمر، مشيرة إلى أنها كانت تحاول إنقاذ الناس، لكنها قدمت في الواقع حقنة في عضل النظام والأسرة الحاكمة. إنها كارثة أخلاقية، ووصمة عار على جبين الأمم المتحدة”.
وعن لبنان سجل: “نحن في مأزق، إنها حرب استنزاف. وفي حرب الاستنزاف هذه، هم أقوى منا وأكثر قدرة على الصمود. نحن لسنا موحدين؛ على المستوى الاقتصادي، تشهد البلاد تراجعا كبيرا وتعاني من هشاشة شديدة. من يدري ما قد يحدث بعد سنة؟ في الوقت الراهن، نحن قادرون على الاستمرار، لكن من يدري ما قد يطرأ بعد عام من الآن؟ والطرف الآخر لا يأبه، ويملك سيطرة مطلقة داخل طوائف بكاملها. أقصد، لا تقولوا لي إنهم لا يستفيدون من الانقسامات في صفوف المسيحيين. بلى يستفيدون. حتى في صفوف السنة، لديهم ميليشياتهم ونفوذهم. وفي صفوف الدروز أيضا”.
واستبعد أن ينتخب رئيسا للجمهورية في المستقبل المنظور، قائلا: “بالطبع، من يبت في الموضوع الرئاسي هما القوتان الإقليميتان، إيران وسورية. لا ينبغي التقليل من شأن النفوذ الذي يتمتع به بشار وقدرته على إفساد الأمور. هدفهم هو إخضاع المناطق التي يسيطر عليها الثوار في سوريا. فعندما ينجحون في تحقيق ذلك، وهم يعملون على تحقيقه بصورة تدريجية إنما مقابل ثمن باهظ جدا، يمكنهم أن يفرضوا على لبنان وصاية جديدة، ربما مع شروط جديدة. في هذا الصدد، بعض المسيحيين أو بعض الزعماء في الطائفة المارونية غافلون عن أنه قد يتم تعديل الدستور بما يتعارض مع مصالحهم. ربما البعض مستعدون للقبول بهذا الأمر، على غرار ميشال عون. لكن ذلك يتوقف على المكاسب العسكرية للجيش السوري وحلفائه”.
وأكد جنبلاط أن الرئيس سعد الحريري يواجه صعوبات كبيرة اليوم، وقال: “حليفي الأقوى يزداد ضعفا باطراد. وهذا محزن. محزن جدا”.
وردا على سؤال عن مستقبله “في بلد يخضع لسيطرة حزب الله”، قال جنبلاط: “لا مستقبل لدي، فهدفي الوحيد هو الحفاظ على البقاء. وآمل بأن أكون قد نقلت هذه الرسالة إلى نجلي. عندما تنتمي إلى طائفة صغيرة، يكون هدفك الوحيد هو حمايتها والحفاظ على البقاء. والبقاء هنا يعني إقامة علاقات جيدة مع مختلف مكونات البلاد، وعلى رأسها حزب الله. هذا هو السبيل الأسلم ليتمكن الدروز من البقاء والحفاظ على ما تبقى لهم سياسيا وديموغرافيا”.
وقال جنبلاط: “لم أتقاعد. تيمور تسلم الجزء الأكبر من العمل، وأصبح لدي بعض أوقات الفراغ للسفر ومشاهدة بعض الأماكن في هذا العالم. أرغب في السفر إلى مزيد من البلدان، لكنني لم أعد أقوى على ذلك جسديا. إلا أنني أشعر بالرضى لأنني أرى تيمور يتقدم بثبات نحو الأفضل، وآمل بأن يتمكن من حماية طائفته وتأمين بقائها. بالطبع الظروف اليوم أصعب بكثير من تلك التي واجهتها أنا. هذه هي أمنيتي وإرادتي قبل الرحيل”.
وعن فلسطين قال: “علينا العودة إلى المسألة الأساسية في المنطقة التي لا يمكننا تجنب الكلام عنها، والتي نسيت تماما بسبب الأحداث في العراق وسوريا وليبيا، وهي فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي. لكنني أتساءل ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستولي حقا اهتماما إلى هذه المسألة”.
وردا على سؤال عما إذا كنا أمام نهاية الحقبة الأمريكية في الشرق الأوسط، قال جنبلاط: “هذه ليست النهاية، بل ثمة نوع من تقاسم السلطة بين الولايات المتحدة وبين القوتين الصاعدتين الجديدتين: إيران وروسيا. بالطبع، لطالما كان للروس حضورهم، غير أن سياسة فلاديمير بوتين وتوجهاته العدوانية من أوكرانيا إلى القرم فسوريا، قد ترسي نظاما جديدا، وحدودا جديدة، بالتشارك مع الأمريكيين وبتقاسم النفوذ معهم”.