شخص مرتبك،غير مسلّح، ظلّ طريقه، قُتِل من ظهره

%d7%9c%d7%9b%d7%99%d7%93%d7%94

 

جدعون ليفي و اليكس ليبك

هآرتس  2016/9/2                                   ترجمة أمين: خير الدين

اللحظات الأخيرة من حياة أياد حامد، موثّقة بدقّة بكاميرات الحراسة، وبواسطة شهود عيان. حياة إنسان بسيط،  يشتري المأكولات الخفيفة لأبنائه قبل ذهابه للصلاة التي لم يصلها. يتساءل الآن أخوه الأمريكي: ماذا يمكن لقائد الأركان أن يقول عن ذلك؟

هذا هو الشخص الذي قتله جندي من لواء “كفير”، ومن كتيبة “نيصح يهودا” يوم الجمعة الماضي: عمره 38 سنة، أب لطفلين، ولد وبنت صغيران  محتاران، يتحركان هنا وهناك في صالون بيتهم، هي بفستان بنفسجي، وهو  ببنطلون برمودا، كان والدهما  إياد حامد شخص منطوٍ، صامت، يتجوّل في الشوارع، يغرز نظره في الأرض، يميل إلى الانعزال في الطبيعة، يقطف التين واللوز، كان له نوع من الحياة، وكانت له عائلة، زوجة وابنان وعمل كمساعد  لعامل بناء.

يقول عنه إخوته لم يكن حادّا، ويبين شريط الفيديو الذي صُوِّر بكاميرا الحراسة في سوبر ماركت القرية لحظاتَه الأخيرة: حامد بقميص أبيض، يشتري وجبة خفيفة لأولاده، يدفع  للمُحاسِب على  الصندوق، قبل خروجه للصلاة في المسجد بدقائق، الصلاة التي لم يَعُد منها. لا شيء في الشريط  يؤشر لما سيحدث له بعد وقت قليل:  شخص يشتري وجبات خفيفة لأولاده، ولا ما يؤشِّر لما سيجعل  لحظاته أخيرة.

عائلته في أمريكا. انتقل إخوته قبل عشر سنوات للعيش في كولومبس وكليب لاند. يعملون هناك بتجارة العقارات. إياد، البِكْر، بقي في القرية. وعندما كوّن عائلة فكّر بالهجرة، وقد قدّم الطلب للمصادقة على ذلك.

سكن في الطابق الأوّل من عمارة الحجر الجميلة التابعة للعائلة. عمارة أقلّ فخامة من باقي الفيلات المبنية على التل. الطابق الثاني يُسْتعمله الأخْوَة عندما يأتون لقضاء عطلتهم السنوية. جاؤوا هذا الصيف مرّتين: مرة لعطلة ميلاد، والثانية  لعطلة عزاء، اضطرّ اثنان منهم للعودة بعد مغادرتهم بوقت قصير، لوداع أخيهم  القتيل

يقسم الوالدان وقتهما بين أمريكا والقُرى، سلواد  بالقرب من رام الله والتي بُني جزء من مستوطنة عوفرا على أرض خاصة لسكان سلواد. إ قرية غنيّة، هاجر كثيرون من سكانها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في كانون الأول الأخير قتل جنود حرس الحدود مهديه حامد، أم لأربعة، بحجّة أنها حاولت دهسهم. والآن قتل زملاؤهم، جنود ج.د.ا. إياد حامد بلا سبب: لم يكن مُسلّحا ولم يشكل خطرا على أحد. وقد اعترف ج.د.ا. بذلك

 

   بأيدٍ فارغة

مكان الجريمة، آخِر القرية، بالقرب من شارع رقم 60، حيث كانت تجري مظاهرات وإلقاء حجارة أيّام الجمعة. إلاّ أنه في الشهر الأخير توقفت المظاهرات، بضغط من السكان الذين تعبوا من الفوضى والغازات المسيّلة للدموع. قتل الجنود في السنة الأخيرة خمسة من أبناء القرية. إننا نقف بجانب كومة الحجارة التي سقط عليها حامد، يتخبّط بدمه، يوم الجمعة الماضي،. حيث وصل إلى هنا بعد أن أحضر الوجبة الخفيفة التي اشتراها لأولاده وهو في طريقه إلى مسجد القرية القريبة  يبرود، حيث اعتاد الصلاة أيّام الجمعة. كان يرغب في الصلاة في يبرود أكثر من الصلاة في مسجد قريته، توقف وهو في طريقه إلى يبرود بمحطة الوقود التابعة لسلواد، ليحيّي صديقه رشاد الذي يعمل في  المحطّة. يبيّنُهُ شريط حراسة المحطة. واصَلَ طريقه من هناك إلى يبرود. الواقعة على الجانب الآخر من شارع  رقم 60. كان يُمْكِنه المرور في النفق تحت الشارع، لكنّه فضّل الطريق القصيرة والتي تمرّ بالقرب من بُرْج الجنود فيلبوكس المُحصّن.

كانت الساعة حوالي 11.40. في الجانب الثاني من الشارع، كان عبد الحميد يوسف يقود سيارة مياه الصَرْف إلى مكان تفريغها.وهو شاهد عيان لما جرى بعد ذلك، وها هو يقف معنا حيث  قُتِل حامد، مع محقق بتسيلم إياد حدّاد. يقول يوسف إنه لاحظ سلوكا غريبا على حامد. وإنه يعرفه جيّدا ويعرف حالته.لا بدا أنّ حامد قد ظلّ طريقه وفقد رُشْده، كان يترنّح بالقرب من البُرْج، لم ير يوسف جنودا عندما كان حامد يتحرّك بين البرج والأسلاك الشائكة التي تُحيط بالبُرْج.

فجأة بدا  إياد خائفا. فتش عن مَخْرَج للهروب باتجاه الشارع، كي يعْبره إلى المسجد، فلم يجد. بدا كحيوان سقط في شَرَك، حاول المرور من بين الأسلاك الشائكة فلم ينجح. نادى عليه يوسف من الجانب الثاني من الشارع قائلا:  “أخرج من هناك، هناك خطر”، لم يُجِب حامد، ربما لم يسْمع. ومن الجدير التأكيد على أنّه: لم يحْمل حامد شيئا بيديه. كما يقول يوسف، وما يظْهَر في شريط حراسة محطّة الوقود: مواطن غير مسلّح، بقميص فاتح، ظلّ طريقه.

فجأة سُمِعت طلقات نارية.بدأ حامد بالهروب خوفا باتجاه القرية. لم يكن واضحا من أين أُطْلِقت العيارات الناريّة،  لكن يوسف، شاهد فور ذلك بعض الجنود  يخرجون من مخْبئهم بين النباتات عند المنحدر تحت البرج. تابع حامد هروبه، وأُطْلِقت بعض العيارات الناريّة الأخرى باتجاهه، كانت، كما يبدو، من الجنود الذين خرجوا من مخابئهم، هذه المرّة أصابوه – وقع حامد على الأرض. أصابته رصاصة في ظهره وخرجت من صدره، وهذا ما قاله بعد ذلك المُضَمّد يحيى مبارك الذي استلم الجُثّة. وهذا ما قاله الساكن  ا.  في الشقة  رقم 9 من العمارة  القريبة، عمارة حريّه ، الذي خرج إلى الشرفة  عندما سمع العيارات الناريّة، وقد سرد على المُحقِّق حدّاد تسلسلا  مشابها للأحداث: رأى حامد وهو يهرب لينجو حتى أسقطته العيارات النارية أرضا.

تقدم من حامد أربعة جنود،  قلبوا الجُثّة بأرجلهم. كما يبدو أنه مات فورا، ولكن  ليس ثمة ما يؤكّد ذلك. وصلت سيارة إسعاف إسرائيليّة خلال ربع ساعة، ولكن يوسف لم ير إذا ما كان قد قُدِّم لحامد أيّ إسعاف طبي. ووصل جنود آخرون بسيارة بلون فضّي، بقيت الجثة ساعة أخرى مُلْقاة على الأرض، حتى نقلها الجنود من هناك، ثم أُعيدت للعائلة بعد مضي ساعات، بعد أن اتّضح ل ج.د.ا. الذي لا يسارع بإرجاع الجثث، أن حامد قُتِل سدًى، وبلا ذنْب.

ملابس جديدة

علبة كرتونية لعبوات رصاصيّة  40 ملغ،  من ذخيرة ج.د.ا. مُبعثرة على الأرض حيث قُتِل حامد.  يقترب نحونا من ناحية برج فيلبوكس ضابط  من ج.د.ا.  وتظهر قوّة أخرى من أربعة جنود من مكان ما من الجهة الثانية،. وبعد مضي وقت قصير تخرج من السهل مجموعة جنود أخرى، ربما أحدهم هو مَنْ قتل حامد. وقد حققت الشرطة العسكرية، هذا الأسبوع، مع الجندي الذي قتل حامد، بتهمة القتل نتيجة للإهمال، وقد أُعيد إلى وُحدته، ولم يُفْصَل.

يجلس الأب في بيت العزاء، عمره 58 سنة، شيخ جليل يلبس جلابيّة  مُطرّزة أنيقة، معه اثنان من أبنائه، يحيى ابن ال- 34  من كولومبس، وأحمد ابن ال- 31 من كلي بلاند. ومعهم الأيتام الجُدُد، زكريا ابن التاسعة، وليان ابنة الثلاث سنوات، وأمّهم الأرملة الجديدة، ” نحن بشر، لا يُطْلِقون النار علينا هكذا”  يقول يحيى ” لدينا أولاد. الجندي  قضى على حياة إنسان. عندما أقرأ التقارير في يديعوت احرونوت أوشك على التقيّء” .

عندما كان الأخوة هنا قبل شهر، في عُطْلة الصيف، احضروا ملابس جديدة لأخيهم من أمريكا. بلال لم يلبسها – احتفظ بها لعيد الأضحى القادم. الآن لن يلبسها أبداً، “لأن ثمّة جندي قرر أن يقتْلَه”، اكفهرّت وجوه الإخوة من الألم. ” لنفرض أن إياد قاوم بشكل غريب”  يسأل يحيى ” لماذا تقتله؟ أطلِقِ النار على رجْله. لماذا تقتله؟ أنت لست ربُّه، في الانتفاضة الأولى أطلقوا النار على الأرجل. كان يُمكن التفاهم مع الجنود، أما الآن إذا مددت يدك إلى جيبك – فورا يقتلونك. هل تعي أيّ مصيبة جلب هذا الجندي؟ الجندي الذي قتل أخي؟  وهل تُدْرِك كم عائلة دمّر؟

يتّكئ الأولاد على أعمامهم. ليان تنفخ بالونا وتُطَيِّره في فضاء الغرفة، تعاني من حَوَل في عينها، وتسْتعمل نظّارات سميكة.  من المتوقع أن تُجرى لها بعد أسابيع، عملية بعينها، لن يرافقها أبوها. عمّها يحيى يقرأ جريدة “هآرتس” باللغة الانجليزيّة، في أمريكا.” يعرف الأولاد أن جنديا يهوديّا قتل أباهما” يقول “عندما يكبران قد يكرهان إسرائيل، وسيكون لديهما سببا كافيا لذلك. قتلتم أباهما، لسنا عائلة تتعاطى السياسة، لم ندخل السجون أبدا، لم نرم حجرا أبدا، وإياد لم يفعل ذلك أيضا. كيف سيحُبّ الأولاد إسرائيل عندما يكبرون؟  هل تريدون البقاء هنا؟ حسنا. لكن لا تقتلونا. انتم تعشقون الحياة — ونحن أيضا نعشقها. كل مَنْ تسأله عن إياد يقول لك أي إنسان  نقي كان إياد. لم يؤذ أحدا أبدا. أتمنى لو أعرف ما سيقوله آيزنكوت عن هذا القَتْل، إذا دهسْتُ قِطّا في الشارع أشعرُ بالذنب لوقت طويل. ماذا يشعر هذا الجندي الذي قتل أخي؟؟؟

2016/9/2

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .