كتبتُ عشية عيد الفصح في السنة الماضية، مقالا مستفيضا بعنوان ” أمسيح واحد هو ام مسيحيان واكثر؟”، معترضا على قرار اعضاء مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الارض المقدسة، بشأن نقض إتفاق توحيد الاحتفال بعيد الفصح لدى الكاثوليك والارثوذكس، الموقَّع من قبل القيادة المحلية لكلا الكنيستين في حيفا، وإعادة الوضع إلى سابق عهده إي الى الوراء بنحو اربعة قرون ونصف، وتحديدا الى سنة 1582م عندما قام البابا غريغوريس الثالث عشر بإجراء تعديل في التوقيت، عُرف باسمِه اي التوقيت الغريغوري المعروف شعبيا باسم التوقيت الغربي. لقد اختتمتُ ذلك المقال بالفقرة التالية: “نحن كعرب مسيحيين مشرقيين لا نعيش في فراغ، إنما كاقلية دينية صغيرة في بحر واسع من العالم الاسلامي العربي والاجنبي، فضلا عن كوننا في اسرائيل ايضا، نعيش كبقية اخوتنا العرب الفلسطينيين مع اكثرية يهودية مطلقة. المسلمون واليهود يعانون لا اقل منّا، من إنقسامات داخلية ونزاعات وخلافات بلغت حدّ الحروب، لاسفي الشديد، في الوقت الحاضر كما في الماضي القريب والبعيد. ومع ذلك حافظ كلٌّ منهما على وحدة الاحتفال باعياده. ولا غرو في ذلك، فالنبي موسى واحد والنبي محمد واحد ومسيحنا أليس هو واحدا ايضا؟!!! وهل هناك مسيحٌ كاثوليكي واخر ارثوذكسي وثالث ارمني الخ…؟!!”.
وها نحن اليوم ايضا، نعودُ الى ذات مربع الانقسام والتشرذم والفُرقة، حيث ان الكاثوليك يحتفلون حاليا بعيد الفصح وباسبوع الآلام ، بينما الروم الارثوذكس سيحتفلون بذات المناسبات ومن منطلق ذات العقيدة الايمانية، بعد 34 يوما اي في مطلع ايارالقادم. هذا الوضع إن لم يكن مأسويا محزنا، فهو مهزلي مضحكٌ يذكرني بالنكتة التالية التي كنتُ قد سمعتها في مطلع السبيعنات من المرحوم المطران يوسف ريّا:
صديقان حميمان من مدينة زحلة في لبنان وهي مسقط رأس المطران ريّا، أحدهما كاثوليكي والآخَر رومي (ارثوذكسي)، إلتقيا كعادتهما صباح يوم احد قبل القداس، للمسامرة. كانت الكلفة بينهما مرفوعة والمزاح سيد الموقف. دار بينهما نقاش حول انتماء الله المذهبي. إدعى الكاثوليكي ان الله كاثوليكي، بينما الرومي قال بطبيعة الحال، ان الله هو رومي. وبينما كان الجدل بينهما في ذروته، سَمعا قرعَ جرس كنيسة الروم وجرس كنيسة الكاثوليك إيذانا ببدء صلاة القداس. التمييز بين رنين الجرسين كان سهلا، ذلك لان جرس كنيسة الروم كان كبيرا ضخما وكانت رنّاتُه عميقة عريضة ووئيدة، بينما جرس كنيسة الكاثوليك كان صغيرا، وكانت رناته سطحية رفيعة وسريعة. فقال الرومي للكاثوليكي: “إسمع، إسمع ماذا يقول جرس كنيستنا”. سأله الكاثوليكي باستغراب شديد: “ماذا يقول جرسكم؟”. أجاب الرومي بملء فمه وبصوت مضخّم هاديء: ” الله روم…الله روم …الله روم”. فقال له الكاثوليكي على الفور: “إذن جرس الكاثوليك ماذا يقول؟”. إجاب الرومي بصوت رفيع وبكلمات سريعة متتابعة: ” معلوم…معلوم…معلوم”.
يبدو لي أن تلك الممازحات الزحلاوية اللطيفة اللذيذة كالكبة الزحلاوية، تكتسب لدى بعض اصحاب القرار(بشأن توحيد موعد الاحتفال بعيد الفصح) من رجالات الاكليروس، طابعا جدّيا يجعلهم يتجاوزون هوية الله المذهبية الى هوية السيد المسيح أيضا، فيتجادلون ويتخاصمون ويتساءلون: “هل السيد المسيح هو رومي ام كاثوليكي؟!!!”. وإلا فما هو المبرر لاستمرار فصل موعد الاحتفال بعيد الفصح لدى كلٍّ من الكاثوليك والارثوذكس، خصوصا وان اولئك البعض من رجال الاكليروس، يعلمون اكثر مني، أن الاختلاف بين التقويم الشرقي(اليولياني) والتقويم الغربي(الغريغوري) هو اختلاف حسابيٌّ صرف ولا صلة له من قريب او بعيد، بالعقيدة الدينية مطلقا؟….نعم قلتُ بعض رجال الاكليروس، لاني لا استطيع ان اعمّم، خصوصا وانا اتذكر الدور الايجابي الذي لعبتْهُ في هذا المضمار، قامتان كنيسيتان جديرتان بكل المحبة والتقدير والاحترام، هما قدس الارشمندريت أغابيوس ابو سعدى وسيادة المطران مار نيقوديموس.
لقد عمل الارشمندريت ابو سعدى، إبان فترة رئاسته الروحية لطائفة الروم الكاثوليك في حيفا،على تعزيز العلاقات وتوثيق اللُحمة بين جميع ابناء الجمهور العربي في حيفا، أكان على الصعيد المسيحي المسيحي أم على الصعيد الاسلامي المسيحي، ليس على مستوى التنظير فحسب، إنما بصورة عملية ايضا. فلقد كان رائدا لوحدة الصف، فبادرقبْل خمس سنوات، الى عقد إتفاق مع الرئاسة المحلية للكنيسة الارثوذكسية، بشأن توحيد الاحتفال بعيد الميلاد في 25 كانون الاول(ديسمبر) وبعيد الفصح حسب التوقيت اليولياني (اي الشرقي). هذا الاتفاق الذي نسفه لاسفي الشديد، في السنة الماضية، قرارُ مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الاراضي المقدسة. كما عمل الاب اغابيوس على تعزيز العلاقات مع مسلمي حيفا رئاسة روحية وجمهورا، وبادر الى إقامة افطارات رمضانية في القاعة المحاذية للكنيسة، والى عقد لقاءات حميميّة متبادلة في المسجد والكنيسة. أما المطران مار نيقوديموس مطران الموصل للسريان الارثوذكس، فلقد سحرني وهزّني بموعظته التاريخية المؤثرة في قداس عيد الفصح في السنة الماضية، وامام مئات المصلين في خيمة المهجرين، وعبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي (انظر الرابط* في ذيل المقال) حيث أطلق نداءه الى قداسة بابا روما والى جميع البطاركة في العالم وعلى إختلاف كنائسهم، مناشدا إياهم قائلا: “نتوسل اليكم وحّدوا لنا العيد…من المخزي والعيب جدا ان نكون عبيدا لتقويم غربي وتقويم شرقي. نحن لا نعيّد قيامة المسيح، إنما نعيّد لكل اسف، تقويما غرْبيّا وتقويما شرقيا….كفى ان نكون عبيدا للتاريخ وللتقاويم التي وضعها البشر وننسى المسيح الواحد….”. هذا التعبير(أي المسيح الواحد) الذي ردّده المطران نيقوديموس، ذكّرني بنصّ كان قد وصلني بالانترنيت، يتضمن حوارا إفتراضيا دارَ بين السيد المسيح وآخرين، مفاده:
شخصٌ ما : “الستَ القائل اقرعوا يُفتح لكم؟؟ ها اني أقرع ولستَ تجيب.”
السيد المسيح : “من أنت ؟؟”.
الشخص نفسه : “أنا أرثوذكسي!!”. السيد المسيح: “أنا لا اعرفك!!! “.
شخص آخر : “أنا كاثوليكي!!”. السيد المسيح : “أنا لا اعرفك ايضا!!”.
وقال اخرون : “أنا سرياني .. أنا ماروني.. أنا انجيلي.. و..و..و”.
السيد المسيح : “أنا لااعرفكم .. أنا أعرف من يعرفوني !!جئتُكم واحدا فقسمْتموني … إجمعوا اشلائي كي أعرفكم… إجتمعوا كلكم فيّ كما انا في كل واحد منكم. وحِّدوني كي يعرفني العالم !! وحِّدوني كي أستطيع أن أقول لكم ……أبنائي. عندئذ أعْرِفُكم…وإلّا ساخْجَلُ بكم”.
http://www.karemlash.net/forum/showthread.php?p=87820*
25/3/2016