جرت مؤخرًا مراسيم الصلح بين أهلنا في قرية الرامة وذلك بعد أحداث دامية بين عائلة أبو لطيف وعائلة الغزاوي، استمرت فترة زمنية طويلة ذهب ضحيتها العديد من شبابنا، هذه الصلحة أثلجت صدري، اشعرتني بالسعادة القصوى رغم أني لست على علاقة مباشرة مع الاطراف هناك، إلا أن ما يحدث في مجتمعنا يجب أن يهم الجميع لما له من انعكاسات على حياتنا، ومبالاة الإنسان بما يحدث دليل على مدى اتقاد ضميره. وتأتي أهمية هذه الصلحة في هذه الفترة بالذات لان بمقابلة الإساءة بالإساءة لن تنتهي الإساءة، ثم أن الانتقام يعزز الإحساس بالتعاسة.. يشعره الراغب في الانتقام بالتوتر النفسي الدائم ويحد من حريته، من هنا نقول أن التسامح قيمة اجتماعية عليا ولا يقدر عليها إلا أصحاب النفوس الابية الذين يشعرون بالمسؤولية.. الذين يملكون افق واسعة ويرون ابعاد الخلافات التي لا يمكن إلا أن تفرز المضاعفات المأساوية، ولا نريد أن نعود إلى توصيات الحكماء والرسل الكرام وإلى النصوص الدينية التي تدعو إلى التسامح ولكن لا بأس من ذكر بعض النماذج من ممارسة العظام لعملية التصالح والتسامح، ونذكر بما قام به قداسة البابا “يوحنا بولس الثاني” عندما تعرض لمحاول اغتياله عام 1981 أثناء وجوده مع حشد من الناس في “ساحة القديس بطرس” في البرتغال على يد المسلح التركي “محمد علي آغا”. وبعد أن تعفى وخرج من المستشفى قام بالعفو عن محمد وزاره في السجن. نموذج أخر عن السيدة ” بهامي الإيرانية التي صفحت عن الشاب الذي ادى إلى أصابها بالعمى عندما سكب عليها مادة حمضية وقد حكم على المتهم بأن يواجه العقوبة ذاتها، بإلقاء المادة الحمضية على عينه، لكن السيدة ” برهامي رفضت تنفيذ الحكم على المتهم، كما رفضت التعويض المالي. وهنا في بلادنا حدث أمر مشابه وإن خلت بلت، وهناك من الشعب اليهودي من يرفض العدوان ويتفهم الدواع الحقيقية التي يقوم به الشباب الفلسطينيون، السيدة “لورا بلومنفلد ” صعقت القاضي عندما وقفت وقالت: اتوجه إليكم بإسمي وأسم عائلتي للإفراج عن السجين “عمر الخطيب” الذي قتل والدي لأننا نتفهم أنه قام بما قام به ليس من منطلق العداء ، وإنما كان ضحية للواقع السياسي، نستطيع أن ندرج نماذج كثيرة عن أهمية التسامح والوحدة، خاصة بين افراد المجتمع الواحد، فواضح لكل إنسان عاقل مدى أهمية أن يكون المجتمع متماسكًا وموحدًا وما يشكله ذلك من قوة خاصة وان السلطات العنصرية تعمل وفقًا لسياسة ” فرق تسد” فهي تعمل على زرع بذور الخلافات حتى تحبك سيطرتها على المجتمع وكي لا تشكل الوحدة القوة الرافعة للضيم، وهنا ايضًا تكمن اهمية كبرى، خاصة وأن السلطات تحجب الكثير من مستحقاتنا وتسلب ما تبقى لنا من ارض وهي لم تستثني شريحة عربية دون الاخرى، لذلك علينا أن نتعالى عن الجراح ونرمي بثقلنا معا لصد كافة المظالم، علينا أن نحتضن بعضنا البعض كي نصد ما نتعرض له حتى لا نكون مجرد حجارة شطرنج تلعب بنا السلطات كما تشاء، إننا لا يمكن أن نفرض هيبتنا على الأخر إذا كان نسيجنا الاجتماعي يعاني من الثقوب. إن هذه الصلحة من شأنها أن تكون ثروة روحية إجتماعية وتحصيلية إذا صح التعبير، لما لهذه العائلات من قوة ومهابة عامة بما فيها على المؤسسة الحاكمة، لذلك يجب استعمالها في المكان الصحيح. إننا نرفع اسمى ايات التبجيل والمحبة لاهلنا الذين تعالوا عن الجراح ونشكر كل من ساهم في اصلاح ذات البين وفقكم الله وقدرنا جميعا على خدمة أهلنا حرصًا على مصالحنا وعلى مستقبل فلذات اكبادنا.