أعطني أعطني أن أكون امرأة … بقلم عيسى قراقع

 

לכידה

 

بمناسبة الثامن من آذار يوم المرأة العالمي

 

أعطني أعطني أن أكون امرأة …

 

بقلم عيسى قراقع

رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين

 

من تلك المرأة، كلما استيقظت من نومها، لبست الفجر وقالت: هذا حقي؟ وما هذا الزرع الذي يزهر في السماء تسقيه ماء انثى؟ تقول للفضاء ان يكتب، وللنهار ان يتعطر بحبيبها، ولليل ان يكون قميصا له.

 

من تلك المرأة التي تلد على سرير السجن الاسرائيلي وهي مربوطة الاقدام والايدي؟ وهناك تصير الحرية ولدا مولودا،سجينا  بين فخذين ، والشمس طليقة بين نهدين، صوت طفل لهبا في احشاء التاريخ.

 

عشرة أطفال ولدوا هناك بين الحديد والحديد، تعمدوا بالوقت المقيد صباح مساء، صراخ واقفال ورحم مشيك بألف باب وباب، هنا آخر الكون أم اول الكون؟ قولوا ايها الناس وردوا غطائي عليّ.

 

من تلك التي تزغرد في جنازة حبيبها؟ تنعف الورد والبكاء المالح، وترقص في زفة الوداع، تتابع الرحيل كما تتابع اللقاء، امرأة تتدحرج وتفلت من يد القدر، فليكتب إذاً الشعراء والمنجمون عن هذا السحر الطالع من خواصر النساء.

 

من تلك المرأة التي لا تريد ان تظهر الا في ثوب صرخة؟ ولا دليل غير زلزال يتدفق في شرايينها، اهي النار والماء في كأس واحدة؟، اشرب اشرب يا حبيبي، في هذه اللحظة الموج شهوة، وللجسد نكهة البحر، وللرغبة اعصاب تهز جذع نجمة، هي امرأة تدخل الآن في سرير الغزل.

 

هل المطلوب ان أذكر 15 الف امرأة دخلن السجون منذ بداية الاحتلال الاسرائيلي حتى أتذكر اني ابن امراة؟ وهل من الضروري ان اقرأ كتاب (ثمنا للشمس) للاسيرة المحررة عائشة عودة حتى اكتشف كيف تأخر الرجال عن الاسطورة، بعد ان صارت المراة أما لجميع الصور.

 

أعطني أعطني ان اكون امراة ، جرح هذي البلاد يتفتح في وجه امرأة فلسطينية، وبين هذا الفضاء وهذا التراب سلالم من فلسطينيات ، لسن تعاويذا ولا شعوذات، هن انجم وحرائر في الضوء واللغة خارج مرمى الصياد، ولا أظن يوما ان الطريق الى الأعلى بغير النساء وغير مناديلهن ممكنة.

 

المرأة الفلسطينية تفوقت بالحب على المرأة الاسرائيلية ، تقول الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان:( أعطنا حبا ، فبالحب كنوز الخير فينا تنفجر، وأغانينا ستنحصر على الحب وتزدهر، وستنهل عطاء وثراء وخصوبة، اعطنا حبا فنبني العالم المنهار فينا، من جديد، ونعيد، فرحة الخصب لدنيانا الجديبة)، بينما تحرض الشاعرة الاسرائيلية :”نعمة شيمر” على القتل الجماعي وهي تلوم الجنود الاسرائيليين لأنهم لو اتقنوا الدرس “لكانوا نصبوا مدافعهم ، على مداخل المخيمات، وامطروها بالقنابل، بالقذائف بالحديد الملتهب، ومسحوا المنازل مع سكانها” ، والفرق بين القصيدتين، ان لغة نساءنا سلام واجنحة، ولغة نساءهم كراهية واسلحة.

 

هل رأيتم بنات فلسطين؟ يسقطن كالفراشات على حواجز الاحتلال العسكرية، ذبائح ليس في رمل مكة بل في صخرة القدس، وفقط فقط في فلسطين صارت السماء تابوتا والارض انثى، يعانقن الحياة بطين لم يلامسه سوى الملاك.

 

لماذا تجن دولة اسرائيل اذا انتفضت امرأة ورمت وردة تحت شباك السجن؟ يطلق جنودها زخات غزيرة من الرصاص على فتاة تنسل من معراجها، وتتنزل في اشلائها، توحد اغوارها وآياتها، تشتبك مع الغيوم، وتنهزم الاسئلة.

 

هل رأيتم بنات فلسطين؟ لفظن الفراش والتحفن الارض، فما الوطن ان لم يكن باب حب على الكون؟ يمنحن قبلة البقاء والعطاء، يقلن: غيروا ما في رؤوسكم ايها الرجال، لسنا خراف تنتظر سكاكينها، ليست أجسامنا فتنة ترجم بالحجارة او بالشهوات، والرجال ليسوا ملوكا علينا.

 

أعطني أعطني ان أكون امرأة، لا تقولوا ان نصفها رحم وجماع والبقية شر، لا ترسموها بخيال نزواتكم وصبواتكم، ليست عورة ولا زلة ولا فتنة ، انها قمر ، كان جرحا وصار يوما ملاكا، قمر يقرأ الحب في وجوه البشر ، قمر للحياة ، كسرت قيدها وعبوديتها، وصار ابنها من بعدها حرا او نبيا أو شهيدا.

 

يقولون: هي امراة جسدها من غثاء وحيض وصوت، وحياتها تجري بين البيت والموت، مرة حبيبة وعاشقة، ومرة ضلع ناقص ومجرد إناء، وقد نسي المشرعون والرواة واصحاب الفتاوي الذكورية، ان الانبياء أيضا ولدوا في فراش  النساء.

 

يقولون المراة ضلع ناقص او اعوج، وتناسوا ان أضلاع الرجل انشأتها امرأة، اسقته حليب القعود والنهوض، جسدها مليء بأسراره، ابتكرته وعشقته، ولكنه لم يجىء اليها مثل نبع، صار قيدا وسوطا، تذكر جسدها فقط، ونسي حياتها باسم ثقافة القبيلة.

 

يتفننون في الشعر والرسم، ولا جمال في الفن دون امرأة، ولا ابداع يتقنه القلم ويخطه الحبر دون امرأة تسيل في الكلمات بين الاصابع والشفاه، وهي شعار وجود مجتمع مدني ديمقراطي، ومفصل اي تعددية حزبية، ولكنها تسألني لماذا يغطي الرجل رأسي ووجهي ويحولني الى شبح؟ يمشي أمامي، اصير تمثالا او ظلا او صنما، مختفيا مخنوقا في جسدي وعقلي وهذياني.

 

صوت امرأة: ايها الذكر المتربع في قمة الكلام، من انت؟ اخلع ثيابك، جسدي يتفتح، عطري يتضوع اعلى وأبعد، ادرب أظافري كي امزق وجهك المقنع، اهفوا الى عاشق يكون أقصى وأوضح وأعمق، اعشق الحرّ الذي يرى لون قلبي وجسمي في حبر دمه، يتعبد ويتعمد.

 

الطريق امرأة ، تمنح جسمها الى كل يقين، ويقينها فراش أمين، تضيء أكثر مما ورد في تعاليم ذلك الكتاب الذي يختن الانوثة، وفيه قرأت: ان بطن النهار منتفخ بالخطيئة والرغبات المؤنثة، وفيه قرأت ان بطن الليل منتفخ بالنشوات المبهمة، هي ذكورية تتعرى ليلا، وتخجل من النساء نهارا، تعاليم تهذي بانهن جنس يترنح في لا مكان.

 

صوت امراة: لا طريق، كل شيء أصم وأبكم، فكل مقتولة مجرمة، وكل موؤدة متهمة، وكل من تسمع الموسيقى، تغني او ترقص مع اعشاب احلامها، خائنة للنص والمقدس، هي جريمة شرف، فارفع ايها الرجل في وجهي المسدس.

 

تقول: من سأقاسم جسمي، انا خائف مما يدور في هذه الغابة، هل ستلمس صدري يد حبيب أم يد قاتل؟ ولا اعتقد ان قاضي المحكمة سيصدقني، فالقانون والعذر المخفف لا يتوهج كحزني وقلبي، ليس لي غير نفسي، ليس لي غير جسم يموت في غياب العدالة.

 

صوت امرأة: لن أكون الفريسة، كلنا سواء، الذكر والانثى، المودة والرحمة نسكن اليها بمعروف دون تمييز ، لا خادمة في البيت ولا عبدة، انا حرّة، لست من نسله، ولا هوى من اهوائه، اعانق نفسي مجبولة بالحياة، بحب لا يعرفه رجل يرى في كل امرأة مشروع غواية ، وفي صوتها عورة.

 

اعطني اعطني ان اكون امراة

تباطأي اذا عبرتِ يوما

قرب حقل من الغيم

يحرسه رجل لا يرى الشمس

لا يراك سوى

شهوة مطفأة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .