د. منير توما : *قراءة في كتاب “رماد الحروب” لأمين خير الدين*

לכידה

 


صدر مؤخرًا كتاب “رماد الحروب” للأستاذ أمين خير الدين الذي أهداني مشكورًا نسخةً منه حيث قرأته بكثير من الاهتمام والشغف لا سيما لما يتميّز به الكتاب من أناقة الإخراج وحسن الإصدار ورصانة المضمون، فقد دأب الكاتب على تناول موضوعات تلامس حياتنا الاجتماعية والسياسية في هذا الشرق الجريح الذي يتعرض لشتّى ألوان المآسي والكوارث، وذلك من خلال معالجة الكاتب لهذه الأمور والضيقات الإنسانية بأسلوب يتراوح بين النثر والنصوص الشعرية ذات التأثير الوجداني في نفس القارئ والمتلقي ومشاعره التي تتماهى مع ما يصفه الكاتب من الآلام والتشظّي الاجتماعي والإنساني نتيجة الحروب والاقتتال في منطقتنا خاصةً والعالم عامةً.
فالأستاذ أمين خير الدين يمتاز برهافة حسّهِ وشفافية وجدانهِ ونقاء ضميرهِ، وهذا ما تعكسه ألفاظهُ وكلماتهُ ومعانيه في محتويات كتابهِ الذي عبّر فيه عن خيبات أملهِ مما يجتاح شرقنا بأسرهِ من بؤسٍ وعنفٍ وبُعد عن القيَم والمُثل العليا التي عرفناها في حقبة من حقبات تاريخنا الذي أخذ في التدهور والانحطاط بفعل ما يحدث وما تمر به بلاد هذا الشرق من انفلات وتسيُّب على شتى الصُعد مما يدخل الحزن والإحباط واليأس كما تشير اليه نصوص الكاتب هنا الذي يرى في كلّ ذلك مؤشرًا لضياع الأمل في توفّر أجواء الطمأنينة والاستقرار والسلام .
وينعى الأستاذ أمين خير الدين في العديد من نصوص الكتاب الحالة التي آل اليها الوطن العربي من أوضاع التشرذم والانقسام وانتشار العنف، تلك الحالة التي تأخذ الكاتب الى توصيف ذلك بلغةٍ لاذعة ساخرةٍ تنٌمُّ عن ألمهِ وما يعانيهِ في أعماقهِ من جرحٍ غائرٍ في نفسهِ المتوجعة مما أصاب هذا الشرق العربي حيث يقول في نصه “الوطن المجروح” ( ص 119 ) :
سوريا ليست وطني،
لكنها في قلبي كوطني المتيّم.
حين أستقيل عن ذاتي
لأنفرد بالآخر مني،
أدعو لها!
كما أدعو لوطني الضائع.
وحين يلتحم الآخر بي،
ونصبح أنا واحدة.
أدعو لها أيضًا
كما أدعو لكل الوطن العربي.
تنهرني ذاتي الأخرى
وتؤنبني قائلة:
هَرِمْتَ، وَخَرّفْتَ
وتبدأ ذاتي بالنهي والزجر،
وتخبيص الكلام
فأصرخ:
هكذا أنا ..
تعلّمت منذ الصغر
حُبَّ الوطن
من المحيط الهادر الى الخليج الثائر
يعلو صوت قهقهةٍ في أعماقي!
وصوت يؤنّبني
على مهزلةِ “الخليج الثائر
ويسألني بتحدٍّ
إن كنتُ أستطيع أن أحمي ما تبقى من الوطن؟
وهكذا يسترسل الكاتب في التعبير عن الألم الصارخ الذي يعتمل في ذاته نتيجة الفساد السياسي والأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتفشّى في العالم العربي، فيأتي بشواهد محسوسة وملموسة طالما عايشها وعاصرها الإنسان العربي في هذه الأيام ومنذ وقت ليس بالبعيد.
واللّافت أن الكاتب يستخدم ألفاظًا شديدة اللهجة يوبّخ ويؤنّب هؤلاء الفاسدين بكلمات تعكس وتؤطِّرللجفاف الأخلاقي والفكري الذي يحيط بنفوسهم المريضة بحب الذات والأنانية وتبلّد المشاعر والرياء، متبنّيًا مبدأ العنف والقهر والقمع بكافة أشكالهِ ما دام كل ذلك يخدم أهواءهم ومآربهم ضيقة الأفق، سقيمة الأهداف والمرامي.
وفي هذه المعاني يقول الكاتب في النص “واعروبتاه” (ص 175) :
أيُّها العازفون عن الحياة!
الغارقون في مستنقعات
الدماء
والطائفية
والمذهبية
والحزبية
النرجسية
والجنسية
وفي الغرف الحمراء.
لم تنقذكم الذئاب المفترسة
التي تنتشل أبناءكم
من وحل المستنقعات.
ولا الفتاوى
التي تشعل الفتن
بين أبناء البيت الواحد
ولا بحور البترول التي
تستحم بها سفن
أعداء الإنسانية
والإنسان،
ولن تسعفكم الملايين المُمَلْيَنة
المجمّدة في خزائن الذئاب،
تشعل أحقاد الأعداء
المسعورة كالكلاب.
ولا الصلوات المبتورة
الجافة من الإيمان
ومن حب الله
والإنسان
ولا النوم في العسل
في الغرف الحمراء
أو الزرقاء
تحت ظل المكيفات.
وفي النص “أخاف” ( ص 236 )، تظهر وتبدو بوضوح النزعة الإنسانية وشفافية المشاعر ورقتها التي يتمتع بها الكاتب حيث إنّه يمتاز بكونهِ مًحبًّا للحياة والبقاء، كارهًا للموت وأسبابه كالحروب التي تحرم الأطفال من والديهم وأهلهم . وفي ذلك ورد قوله:
أنا لا أنتظر الموت.
ولا أحبّه،
لكني أخافه.
أخاف الموت وهو بعيد،
أخافه على طفل
يهرب من موت الى موت،
وقبل أن يدركه الموت
يموت!
**
أنا لا أحب الحروب.
ولا أحب مشعليها
لكني أخافها..
حين تدكّ البيوت
ويستيقظ طفل على صوت طبولها
ينادي أمّه فلا تجيب،
لأنَّ في مملكة الموت
لا أحد يُجيب
وإذا استعرضنا وتابعنا نصوص كتاب “رماد الحروب” نجد الى حدٍّ كبير وجوه شبه واحدة عضوية في موضوعات الكتاب من حيث أنّ الكاتب يركّز على الاستياء والامتعاض من الأوضاع المتردية المتدهورة سياسيًا واجتماعيا وأخلاقيًا وعلى مختلف المستويات في الشرق العربي، فيصف كل ذلك بوضوح دون وعورة أو تعقيد، بل إنّه يضع الاصبع على الجرح كإنسان ينبذ العنف والقتل والفساد وكل الرذائل السياسية والاجتماعية لكونه إنسانًا خلوقًا مسالمًا أو ما يُعرف بمصطلح ( pacifist ) وبالعربية (مُتَسَلِّم) لا سيّما وأنه كارِه للحروب التي تجلب بدورها المصائب والحزن والآلام لكافة الشرائح والأطياف في عالمنا المُعذّب بويلات الحروب وحالات طغيان العنف والقهر.
وخلاصة القول إن الأستاذ الكاتب أمين خير الدين قد أبلى بلاءً حسنًا في هذا الكتاب وأحسن صُنعًا حين عبّر بكل صراحة عن رفضهِ واستيائهِ من الانحرافات المتنوعة بكافة أشكالها في الشرق العربي، ودعوته الدائمة والمستمرة لنشر الطمأنينة والسلام والإخاء بين بني البشر في الوطن العربي والعالم مهما اختلفت الانتماءات والعقائد والمذاهب.
ومن هنا أتوجه الى الأستاذ أمين الأديب الكريم العزيز بخالص التحيات وأطيب التمنيات بموفور الصحة ودوام التوفيق والمزيد من العطاء.

 

 

(كفر ياسيف)

18/02/2016

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .