قبل عدّة عقود خلتْ، عن طريق صفحات الاتّحاد بالذّات، قرأنا أخبارًا، مقالات، ريبورتاجات وخواطر للأخ حاتم إسماعيل حلبي، روحاني وأبو إحسان علماني، التقيا في الاسم الحمولة والدّوحة المعروفيّة وارفة الظّلال والعناقيد معًا، لكل منهما موقف لِنُميّزه عن الشيخ / أبي غالب حاتم حلبي رحمهما الله، أمّا أبو إحسان، فهو رَجل عمل وقلم كَسَمِيّهِ، حاتمان حلبيّان، أبو غالب ، رأي، قامة منتصبة: شجاعة وإقدام: لم يخشيا في الحقّ لومة لائم،
طيّب الله ثراهما ومثواهما الجنّة.
وعن طريق الصديقين حسين مهنّا / البقيعة، ونهاد فارس / حرفيش، تعرّفت شخصيًّا على أبي إحسان النّشيط، المثابر، الفعّال والجوّال: جرأة، شجاعة، إقدام، ثقة بالنّفس، مشاركة النّاس، كلّ النّاس، بغضّ النّظر عن الانتماء الطائفي، الدّيني، العرقي والقومي، لسان الحال قال: مع النّبي العربي العدنان: كلّكم سواسية كأسنان المشط… ، حاتم حمل عبئًا آخر بهمّة ونشاط، عزم وإصرار، ألا وهو مناهضة التجنيد الإلزامي المفروض المرفوض على أبناء طائفة الموحّدين المعروفيّين، إمتاز أبو إحسان بجرأة أدبيّة، شأنه كشأن رفاقه على الدّرب الشائك الموحش، تيمّنًا بمبدأ علي بن أبي طالب، ابن عمّ الرّسول وصهره، حيث قال الإمام أبو الحسن، كرّم الله وجهه: طريق الحقّ موحش لقلّة ساكنيه، ومضى قائلا: أنا والحقّ أكثريّة.
يقول العرب الأقحاح: لكلّ أمرئ من اسمه نصيب، وهذا ما ينطبق على الصّديق المثابر والمواظب، فهو حاتميّ، إسماعيلي، حلبي،أبو إحسان، ديلاويّ، كرمليّ، نشميّ، شهم، أبيّ، عَصِيّ على الّليّ، الطّيّ الثّنْي، أو الطّاعة العمياء والإنقياد خلف الضّالّين المُضّللين، بفتح وكسر اللام الأولى، يُحارَبُ بلقمة عيشه وأسرته، إلاّ أنّه لا يلين ولا يستهين، على درب شاعر العروبة والوطن: الغائب الحاضر، سميح القاسم: منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، في كفّي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي… وأنا أمشي…
رافقتُ الكثير من الإخوة/ات الدّيلاويّين في جولات للتعرّف على ربوع الوطن وقراه، ما نُزّحَ وما رَزَحَ، ما هُجّر وشُرّدَ، وما صمد ورسخ، من بين الجوّالين، كانت الاْخت أمّ إحسان،، قرينة حاتم، شغوفة ملهوفة على حُبّ الاستطلاع والاندفاع لكسب المزيد من المعالم الشّاهدة على هول النّكبة، بالاضافة الى المعالِم الرّاسخة: كالتّين والزّيتون والصّبّار وحجارة الدّار والرّكام، كانت النّصف الآخر، المُتمّمة المكمّلة لرفيق الدّرب والهموم والدّهر وما به من سموم وكلوم. اختلفنا أحيانًا مع أبي إحسان في بعض المواقف والقضايا المجتمعيّة، الوطنيّة، الأداء والتّوجّه، إلاّ أنّ اختلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضيّة: وتبقى مودّته في القلب، طبقا لقول الشاعر، وما به من جناس مقلوب:
مودّتُهُ تدوم ُلكلّ هولٍ وَهل كلّ مودّتِهِ تدومُ
في حديث نبوي عطر رواه الصّحابي أبو هريرة قال: إذا مات العبد انقطع عمله إلّا من ثلاثة: صدقة جارية، أو عِلم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له. وهذا ما يتوفّر في بيت أبي إحسان.
يعزّ علينا وداع هذه الوردة المتضوّعة عطرًا، شذًى، عبيرًا، ألقًا ورسوخا مع المعالِم الباقية في الوطن الجريح، ويبقى عزاؤنا بفلذات كبده ورفيقة دربه وذويه، له الرّحمة ولكم من بعده الصّحّة والعافية وطول البقاء.
(حرفيش)