التشكيلية “رانيا حامد” صغيرة في سنها عظيمة في فنها

بقلم : مروى ذياب

داخل ركن صغير، هادئ تسكنه فوضى خلاقة، ملحق بمنزلها، تعمل الفنانة التشكيلية الصاعدة التونسية رانيا حامد عبد العفو لتثبت ذاتها وقيمة فنها.

هنا حياتها، هنا عالمها الخاص، وسط الصباغة والفرشاة والبياض وقلم الرصاص والألوان، أشياء تحضن صراخها العنيف الذاتي وتحوله إلى مغامرة فنية على شكل ترجمات ذاتية الطابع، وأخرى مستنسخة من الواقع المادي المعاش في صياغات غير واقعية صاخبة بألوانها وجامحة بمعانيها، ولوحات أخرى تستمد كينونتها من أوراق التاريخ والغرق في القدم كقصص مروية أسطورية على شكل صورة من الصور المعجزة لدى رانيا.

تقول رانيا “25 عاما” إنها تحاول عبر لوحاتها تغيير النظرة التقليدية للفن التشكيلي في تونس وتسعى كغيرها من الشباب لبث لوحات أكثر فاعلية ووقعا على عين المشاهد وعواطفه.

ولدت فنانتنا في التسعينات بمدينة جلمة من ولاية سيدي بوزيد التونسية الثائرة، وفنانتنا أصيلة مدينة ساحلية لكن لوحاتها تأثرت بطبيعة تونس الداخلية وبجمال سواحلها فمزجت بين شقين مختلفين في تونس بفنها الكلاسيكي.

والفنان التشكيلي الكلاسيكي عادة ما يكون في هيئة الملاك الذي يرسم ما يمليه الواقع على شكل نوايا حسنة ويناجي طالبا الأمان في لوحاته.

وهو أيضا بمثابة شاعر يرسو بقصيدة بصرية إلى عين المشاهد، لا حروف فيها، إنما ينصت إلى رموزها.

كانت لقاءاتها الأولى مع الفن التشكيلي منذ الطفولة، وتوطدت العلاقة الحميمية بالجامعة عندما بدأت المرحلة الأكاديمية.

وقد عُرفت في الثانوية بموهبتها لدرجة أنها خيرت تغيير توجهها من “العلوم التجريبية” إلى الآداب والفنون ونجحت في ذلك بتفوق ودخلت الجامعة في نفس السياق.

فقد أمسكت الريشة منذ نعومة أظافرها لكن المرحلة الدراسية مكنتها من صقل موهبتها وكسب خبرة في الميدان، وانطلقت من واقعها واستنسخت عنه لوحات فنية من الأبواب والأزقة والمعماري التونسي والموروث الثقافي، باستخدام تقنيات مختلفة وخامات ألوان زيتية مع الأكرليك باتقان وحرفية واضحة في أسلوب فنها المجتهد.

فعادة ما يخضع الفنان لمتأثرات عصره ومجتمعه.

ورانيا فنانة شابة، شقت طريقها في فترة قصيرة من الزمن، وتعرفت على موهبتها، وقدمتها في حياكة فنية لمسها المتأمل في لوحاتها المميزة.

هذه الفنانة لا ترسم كما يرسم المبتدئون إنما تتغزل بلوحتها كالعاشق الذي يتغزل بمعشوقته ويهتم بأدق تفاصيلها.

رانيا فتاة هادئة، في أول لقاء معها ستتأكد أنها فنانة أو ذات موهبة من طريقة لباسها ومن الألوان التي تعتمدها في إطلالتها، بشعرها الطويل وخداها المكتنزان وعيونها التي تحكي قصصا وأملا غريبا، كأمواج البحر الهادئة التي لا تعلم متى تثور وتحت أي موقف وفي أي مكان وأي زمان، هي كذلك كانت عندما تثور تثرثر فنا على باحات لوحاتها.

تقول رانيا إنه، مع التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد التونسية بعد الثورة، بدأت الفنون التشكيلية تتجلى في الممارسة الفعلية.

وبحسب فنانتنا فقد بدأ أغلب المبدعين التشكيليين خاصة منهم الشباب بإعادة النظر في طبيعة عملهم ومساءلة مقومات هويتهم وخصوصيتهم والتفكير في طرق جديدة ملائمة لنسج علاقات تفاعلية مع الجمهور.

وبدأ البحث الدءوب لجعل المتلقي يستوعب قيمة الفن التشكيلي المقدم له، وبرز ذلك على شكل منتديات فنية على سبيل المثال “الأيام المتوسطية للفنون التشكيلية” ومعارض بالمراكز الثقافية بالبلاد، لتحقيق هدف التفاعل والتداول.

وبشتى المقاييس، فإن الفنان التشكيلي التونسي يظل متخبطا في معاناته جراء غموض المستقبل وضبابية الواقع الحالي.

وتعتمد رانيا في أسلوبها على التراث والحضارة التونسية خاصة والعربية في العموم.

وتستوحي أفكار لوحاتها من بعض الفنانين المحليين الذين تأثرت بهم أمثال الفنان الكبير نجيب بالخوجة والفنان زبير التركي.

وشاركت في معارض فنية جماعية بضواحي ساحلية تونسية كنابل وسوسة وتظاهرات أخرى فنية.

وتقول “إن أغلب الذين رأوا رسوماتها ولوحاتها ابتاعوا منها مقدرين فنها”، لكن “يبقى وجود فئة من الناس الذين لا يقدروا الفن حقيقة، تماما كمن يميلون لأم كلثوم وعبد الحليم وشارل ازنفور من المطربين العمالقة ومن يميل للأذواق الموسيقية المنحطة”، على حد تعبيرها.

وتشير معظم لوحاتها إلى فترة محددة من حياتها أو إلى الأماكن التي زارتها وعاشت فيها وإلى الأحداث التي تأثرت بها لكنها تمتزج بخصائص رمزية وتجريدية كثيفة.

وتأمل رانيا أن يحظى الفن التشكيلي بالدعم والاهتمام من قبل الدولة وتأطير الشباب الموهوب.

2609966782 2609966783 2609966784 2609966785 2609966786 2609966787

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .