الأخوة والأخوات أبناء التوحيد الكرام ,
في الآونةِ الأخيرة نلمس أن الكثيرين من أبنائنا وبناتنا , أبناء وبنات التوحيد , المخطوبين والمخطوبات , يفسخون خطوباتهم لهذا السبب أو ذاك , وأنا , والوضع كهذا , لست بصدد أن ألوم هذا أو تلك , فلكلٍ ظروفه/ا , ومع هذا رأيتهُ لزاماً علي أن أتطرق لهذا الوضع ( لكثرة حدوثه ) لتسليط الضوء عليه , علني أفيد البعض قبل أن تقع الفأس في الرأس , رغم علمي بأن الكثيرين من شبابنا وشاباتنا سيقولون : ” هذا الزلمة بعدو عايش قبل 50 سنة ” – لأنهم يرون في الفلتان تقدماً – ولا يهمني ما يقولون فالذي يهمني أن لا تقعوا في الخطاء , وحسبي الله وكفاني .
ليس بخفيٍّ على أحدٍ ان مذهب التوحيد قد ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات , ولكنه (المذهب) أحاط المرأة بكثير من التنبيهات والتحذيرات التي تبدو متشددة بحقها أحياناً , والواقع أن مذهب التوحيد جاء متوافقاً مع الشريعة التوحيدية , من جهةٍ , ومع التقاليد العربية الأصيلة , من الجهة الأخرى , فهو يغار على المرأة دينياً ولا يريد لها أن تزِلّ قدمها في المعاصي والمغريات العصرية , والى ما تقود اليه تلك المغريات مِن وقوعٍ في المحظور والمحذور منه وارتكاب الفواحش واختلاط الأنساب . كما وانهُ يجاري التقاليد العربية التي تعتبر المرأة عنوان كرامة الأسرة والعائلة والطائفة مِن بعدها . الكل منا يعلم أن للمرأة وجهان متعاكسان فإن كانت صالحة في سلوكها وتربيتها كان المجتمع صالحاً , وان كانت سيئة السلوك فإن هذا السوء يتعداها إلى المجتمع الذي يصبح فاسداً . من هذا المنطلق جعل مذهب التوحيد للمرأة قيمة كبرى , واعتبرها عنصراً مهماً وفاعلاً في المجتمع , لا تقل أهميتها عن أهمية الرجل , فساوى بينهما وأمر بإنصافها .
الخطبة , وهي أن يطلب الرجل الموحد من فتاة موحدة , مباشرةً , أو بواسطة وليّ أمرها , الموافقة على الارتباط بهِ برباط الخطبة , تمهيداً للارتباط لاحقاً , بزواجٍ شرعيٍ بينهما , وهي بالتالي من حيث المبدأ وعد بالموافقة , ويحوي معانٍ عديدة أهمها الرضى والقبول بالشريك الآخر , ويعتبر مقدمة وفترة تمهيدية لعقد الزواج الذي هو من أهم وأخطر العقود قاطبة كونه يتناول مصير الإنسان , حياةً وقدراً .
المادة 26 من قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية تنص على أن : ألخطبة تتم برضى وموافقة الطرفين , وبقراءة الفاتحة الدالة على الرضى والقبول وجعل الارتباط على محملٍ مِن الجد , وأن لكلٍ من الخاطب والمخطوبة ألحق في أن يرجع عن الخطبة من غير أن يلزمه رجوعه عنها بشيء ( قبل العقد – كتب الكتاب ) . أما فيما يتعلق بهدايا الخطبة فإذا كان الرجوع من جهة الخاطب فلا يجوز له أن يسترد شيئاً مما قدمه للمخطوبة , سواء أكان باقياً وقت رجوعه أم لم يكن (الشيء) . وان كان الرجوع من جهة المخطوبة وجب عليها أن ترد كل شيء قدمه خاطبها لها , فإن كان قائماً ردته بنفسه وان كان قد هلك في وقت رجوعها ردت مثله أو قيمته , ما لم يكن بينهما شرط يُعمل به , أما اذا كانت هناك شروط أخرى فيُعمل بها .
ومن أهم ما يتعلق بالخطوبة أنهُ لا يحل لرجل ( شاب ) أن يتقدم ليخطب فتاة مخطوبة , وذلك مِن منطلق مبدأ حفظ الاخوان )المؤمن أخ المؤمن , فلا يحلُ لمؤمنٍ أن يبتاع على أخيه , ولا يخطب على خطبة أخيه إلا اذا حصل فسخ للخطوبة رسمياً ) .
نعلم أن الخطوبة في هذه الأيام تحصُل نتيجة تعارف بين فتاة وشاب قد التقيا في الجامعة أو النادي , أو في مناسبةٍ اجتماعيةٍ ما , أو زيارات أهلية , أو عبر وسائل ومواقع التواصُل الاجتماعي . وعادةً ( في السنوات الأخيرة ) تحصل الخطوبة بعد مصاحبة بعضهما البعض وبعد طول مسامرة أو مجالسة يتجاذبان فيها أطراف الأحاديث , ويتبادلان الأفكار , ويقرران ( بعد ان يقتنع كل منهما بالآخر ) الخطوبة , فيأخُذا بالرحلات سوية وبالسهرات واللقاءات في المناسبات الاجتماعية , ووووووو ….. الى ما نراه اليوم من أعمال لا يُقِرُها العقل ولا الدين كالتي يقوم بها كثير من هؤلاء , وذلك لأنهم أساءوا فهم الخطبة , وكم من خطبة فسخت بعد انعقادها وافترق على أثرها الفريقان , وفي مثل هذه الحالة تقع الخسارة الكبرى على الفتاة لأن فسخ الخطوبة يشكل لها انتكاسة , يطول بعدها الانتظار ليأتي البديل عن الخطيب الأول .
إن العشرة ” المندلقة ” ومرافقة الخطيب دون , حسيب او رقيب , ينعكس سلباً على وضع الفتاة بحيث يُحْجِمُ الشباب عن خطوبتها بسبب خطبتها الأولى , حيث ان الشاب الباحث عن شريكة حياته (عادة) يرغب الارتباط بالفتاة التي لم تخرج مع أحد ( هذا ليس ما ادعو اليه ) , ولم تعاشر سواه , فيقودها حظها العاثر إلى اليأس والانطواء أحياناً , وأحياناً إلى التمرد وسلوك الطرق الملتوية تعويضاً عما فاتها من آمال عريضة أو انتقاما من المجتمع الذي لا يرحم .
مُنذ القِدم أراد القيّمون على مذهب التوحيد أن يدرؤوا النتائج السيئة بالمقدمات الصحيحة حفاظاً على كرامة المرأة المؤمنة الموحدة , وصيانةً للرجل الموحد , فقادهم ذلك الأمر , سابقاً , لإتباع طريقة في التعارف بين الجنسين تظهر غريبة قياساً على ما نحن عليه في هذه الأيام , وانطلاقاً من أن عقد الزواج هو من أهم العقود المسماة وأجلّها , وإن الإنسان الحي الناطق أجلّ المخلوقات وأرفعها , وهو غاية الله تعالى من الوجود , اعتبر الموحدون أن الواجب اللازم قبل الزواج أن يَقِفَ أصحاب الشأن , الخطيب على حال الخطيبة , من جهة دينها وعقلها ودنياها وبدنها وأصلها وأخلاقها…الخ , وكذلك أن تعرف الخطيبة حال الخاطب في جميع أحواله الدينية والدنيوية وعن أخلاقه وفقره وغناه وحسبه ونسبه…الخ .
كما يقتضي على المكلفين (الواسطة أو الجاهة ) نقل صورة حال كل من الفريقين للفريق الآخر بكل دقة وأمانة وإخلاص دون زيادة أو نقصان , في الإطراء أو النقد .
ونلاحظ بأن الخطبة إذا حصلت بين الفريقين في الطريقة المشار اليها أعلاه , دون اختلاط ورحلات وسهرات , وفُسِخت بعد ذلك لسبب ما , فإن ذلك لا يؤثر على سمعة الخطيبة , ولا على وضعها الاجتماعي , كما لو كان الوضع معكوساً .
قد يبدو ما ذكرناه غريباً عن المألوف لدينا في أيامنا الحاضرة , إلا ان الموحدين الأتقياء لا يزالون سائرين على هذا النهج , ومحافظين على تلك التقاليد التي تبعدهم عن الشكوك ومواطن التهم . غير ان البعض الآخر الذي لا يطيق صرامة الشروط ويطبق ما يراه مناسباً في جميع الأمور المتعلقة بالزواج , ويخرج عن الحدود التي رسمها المذهب . وغالباً ما يقع هؤلاء في المشاكل الناتجة عن فسخ الخطوبة , وخاصة تحت طائلة الْسِنَة الناس والقيل والقال .
كما وجرت العادة , في هذه الأيام , التوجُّه لإجراء عقد زواج شرعي (كتب الكتاب) بين الخاطب والمخطوبة قبل ان يقرر موعد الزفاف بزمنٍ طويل , بحجة أن العقد يتيح لهما التفرُّد بعضهما ببعض , وهذا يتناقض مع الدين والعادات والأعراف المتبعة , لأنه لا تحل المخطوبة للخاطب إلا بإجراء العقد الشرعي المستوفي الشروط القانونية , وإشهار العرس جماعياً , وبالتالي الانتقال إلى البيت الزوجي .
لإخوتي الموحِّدين أذكُر ما ورد في الحديث الشريف , ” الرجلُ راعٍ على أهلِ بيته وهو مسئولٌ عنهم , والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولده , وهي مسئولة عنهُم… ألا فكُلُّكُم راعٍ وكلُّكُم مسئول عن رعيّته ” , وعطفاً على ما تقدم فإنني أهيب بالأبناء والبنات عدم القاء حبالهم على غواربهم , والتشبث بديننا الحنيف , بأوامرهِ ونواهيه , واتقاء الله , وحُرمة العشرة والدين فيما ينهجون ويفعلون , وذلك حفاظاً على أنفسهم وصوناً لها الغلط والفحشاء , والله من وراء القصد , وهو نعم الهادي والنصير , واليه المرجع والمصير .