التطورات الأخيرة على الساحة السوريّة وضعت العرب الدروز الفلسطينيّين على “فوّهة” الإعلام العربيّ وبالذات الخارجيّ، بوتائر لم يسبق لها مثيل حتّى عندما كانوا يستصرخون هذا الإعلام أن يتناول قضاياهم الحارقة في التصدّي للمؤسسة الإسرائيليّة. ولكن الملفت أن التناول هذه المرّة، وعلى الغالب، يتعاطى مع ال-110 آلاف درزي فلسطيني كوحدة واحدة متجانسة سياسيّا، كان ذلك في العلاقة مع المؤسسة الإسرائيليّة أو في العلاقة فلسطينيّا وعربيّا أو في سياقنا العينيّ سوريّا.
هذا غبنّ تاريخيّ، والأمر الذي يجعل القارئ العربيّ أو المستمع أو المشاهد، يعتقد أن 110 آلاف فلسطيني يسيرون صاغرين كالأغنام في ركب ما يُسمّى في وسائل الإعلام “قيادتهم” الدينيّة والسياسيّة. والمُقلق أكثر أن غالبيّة مراسلي وسائل الإعلام العربيّة هم من الداخل والمفروض أن يزوّدوا وسائلَهم بالصورة والواقع الدقيقين، وهذا ما لا يفعلون، وفي غالب الأحيان عن عدم حذر مطلوب وفي بعضها جهلا.
ولعلّ ما جاء في تقرير الموقع الإلكترونيّ “رأي اليوم” والذي يرأسه الصحافيّ المعروف عبد الباري عطوان، وبقلم الصحافي القدير زهير أندراوس، هو بيّنة واضحة على ما أدّعي، لا بل أكثر من ذلك فإن النقل عن المصدر لم يكن دقيقا، ويخلق في ذهن القارئ معلومات وانطباعات غير صحيحة، وأعتقد جازما أن الأخ أندراوس لم يرمِ لها، ولذا فمطلوب الحذر، والحذر الشديد وبالذات على ضوء استفحال أو على الأصح استكلاب، التحريض الطائفيّ المقيت، الذي كان وما زال الباب المشرع لكل أعداء الأمة، منه ولجوا ومنه يلجون بين ظهرانينا.
فقد جاء في عنوان تقرير الصحافي أندراوس: “يعالون: مساعدات للتنظيمات المعارضة المسلّحة مقابل عدم المس بالدروز” (!)، وفي صلب التقرير جاء: ” الدولة العبرية حددت شروطا… وأحدها عدم المس بالسكان الدروز في الجولان وفي جبل الدروز” (!). أندراوس اعتمد في تقريره على موقع “The times of Israel”، وماذا جاء في هذا السياق في الموقع ؟!
أولا: العنوان هو “إسرائيل تعترف أنها تساعد المحاربين الثوار السوريّين”، ليس كما جاء في تقرير أندراوس.
ثانيا: فيما يخص الدروز جاء في قول يعالون: “He said that such aid is extended under two conditions – that the fighters don’t let Islamic extremists to get close to the border, and that they don’t hurt the local Druze population.”
أين ضاعت من التقرير كلمة المحليّين يعني في الجولان (قرية حضر والتي رغم ذلك، يشهد الواقع الميداني فيها على زيف هذا الادعاء)، ومن أين دخل جبل الدروز ؟!
ثالثا: شمل التقرير مقولات وتصريحات لشخصيّات مختلفة درزية وغيرها والمشترك بينها أنها جزء من المؤسسة أو ترى نفسها كذلك، فكان حريّ بالأخ زهير أن يضمّن تقريره رأي المعسكر الآخر لدى الدروز المعسكر الوطنيّ، وعلى الأقل حتى توضع أمام القارئ العربيّ الصورة والواقع الوافيان، وخصوصا أنه استعمل في فاتحة تقريره نصّا:
“علاوة على ذلك، وبسبب الضغوط التي يُمارساها قادة الدروز في إسرائيل، الذين يخدمون في الجيش الإسرائيليّ منذ العام 1956، أعلنت إسرائيل رسميًا اشتراطها مُواصلة تقديم العلاج لمقاتلي المعارضة المُسلحّة السوريّة مُقابل دروز سوريّة“.
هذا النص لغير العارفين، عدا عن عدم الدقّة في استعمال “دروز سوريّة”، يخلق الانطباع وكأن للدروز الفلسطينيّين ال-110 آلاف قيادة واحدة يأتمرون بأمرها ويسيرون في ركابها صاغرين، وليست الحقيقة كذلك، وثانيا وكأن كل الدروز يخدمون في الجيش برضاهم، وهذا مناف للحقيقة الميدانيّة من ناحية، ومن الأخرى، فعلى الدروز مفروض قانون التجنيد الإلزاميّ فرضا، بعد أن أبطل عنهم الإعفاء دون بقيّة العرب، عام 1956، وهكذا كان يجب أن يُشار إلى الموضوع.
العرب الدروز الفلسطينيّون كما بقيّة الشرائح في ال-48 ليسوا على مشرب واحد سياسيّا، الفارق الوحيد هو أن غالبيّة القيادات التقليديّة ، الدينيّة والسياسيّة، عند العرب الدروز متساوقة مع السياسة المؤسساتيّة لكنها بتاتا لا تمثلّ القاعدة بكليّتها، بل على العكس تلعب دور “المنفّس” في غالب الأحيان للنقمة المتزايدة لدى العرب الدروز الفلسطينيين على سياسة المؤسسة، وحريّ بالتذكير أن المظاهرات الجارفة مؤخرا في القرى، كانت ضدّ رأي ما يسميها الأخ زهير “قيادة الدروز”، خصوصا وأن النفس الغالب فيها كان تحميل المؤسسة الإسرائيليّة المسؤوليّة عن الاعتداءات التي يتعرض لها دروز الجولان خلف خطوط وقف إطلاق النار، ولعلّ في التعرّض لسيارات نقل الجرحى في حرفيش أكثر منه في مجدل شمس، بغض النظر عن الموقف المبدأي من ذلك، البيّنة والبرهان .
مثبت تاريخيّا وفي الأدبيّات الصهيونيّة والفلسطينيّة، أن الغلبة بين العرب الدروز كانت للقيادات الوطنيّة العروبيّة قبل النكبة، وقد انقلب الأمر ما بعدها على ضوء النتائج في ال-48 وقيام إسرائيل، لكن بقيت وما زالت قيادات دينيّة ودنيويّة وطنيّة ومن الصف الأول عربيّا، ولها امتدادها الجماهيريّ بين الدروز كذلك اليوم، ولها دورها الفاعل اليوم كذلك فيما يتعلّق بالأزمة السوريّة وإسقاطات ذلك على الدروز، وعلى مواقفهم.
يعاني العرب الدروز وخصوصا الصوت الوطنيّ من تعتيم إعلاميّ إسرائيلي شبه مطبق، والإعلام العربيّ المحليّ في الكثير من الأحيان ولأسباب أبعد كثيرا ما تكون عن الموضوعيّة يتساوق مع ما يُطرح في الإعلام العبري. الإعلام العبري الرسميّ يفتح أبوابه على مصاريعها أمام “قيادة الدروز” تلك المتساوقة مع سياسات المؤسسة ليبدو وكأن موقفها هو الطاغي، وقد نجح كذلك بخلق صورة وواقع مشوهين وقعت ضحيّتهما وسائل الإعلام العربيّة إقليميّا، وظهر وكأن ما تعلن عنه هذه القيادات من مواقف عبر الإعلام الإسرائيلي، هي مواقف ال-110 آلاف درزي فلسطيني، وأن لا قيادات غيرها.
لا نريد أن نجمّل وضعا وليس هذا ما نبغيه، فما زالت لدى العرب الدروز الفلسطينيين قطاعات واسعة ملتحقة بركب هذه القيادات موقفا وممارسة وبالتالي بركب المؤسسة، ولكن هذا لا يعني بتاتا أن لا قيادات أخرى وتمثل قطاعا واسعا هي وطنيّة وحملت وتحمل الهمّ الوطنيّ العروبيّ في ظروف شبه مستحيلة، ولها على الإعلام العربيّ دين كبير في تغطية نضالاتها ومواقفها وكذلك مؤخرا في الموضوع سياقنا.
1 تموز 2015