لم تنجح الحملة المكثفة لإعلام المعارضة السورية وقوى 14 آذار في لبنان في التعمية على المجزرة التي ارتكبها إرهابيّو «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» بحقّ 24 مواطناً سورياً من دروز بلدة قلب لوزة، في ريف إدلب قبل أيام. الإحراج الكبير ذاته أصاب النائب وليد جنبلاط، الذي لطالما روّج لـ»اعتدال جبهة النصرة»، كما روّج لضمانات ستوفرها تركيا لحماية أهالي قرى جبل السماق. لكن اللافت أنه على الرغم من مجازر «النصرة» بحقّ الشعب السوري بكلّ شرائحه، خلال السنوات الماضية، بدا أن إجماعاً مستجداً من قبل جهات دولية وعربية، بينها وزارة الخارجية الأميركية وجامعة الدول العربية ووسائل إعلام كـ«الجزيرة» و«العربية»، على إدانة الجريمة. حتى إن عدداً من الفصائل التي ترتكب المجازر بالسوريين، كـ«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و«حركة أحرار الشام»، أدان المجزرة، فضلاً عن إصدار «النصرة» نفسها بياناً على موقع «تويتر» يدين المجزرة ويتذرّع بأن «عناصر الجبهة ارتكبوا المجزرة من دون عِلم الأمراء»، في تبرير مشابه للكلام الذي صدر عن جنبلاط ووسائل الإعلام الداعمة للمعارضة. وبمعزلٍ عن الضغط الذي يُمارس منذ فترة على دوائر القرار داخل «النصرة» لإعلان انفصالها عن «القاعدة» واندماجها تحت مسميات يدّعي الغرب اعتدالها كـ«جيش الفتح»، جاءت ردود الفعل وإدانات المجزرة من قبل الفريق المعادي للنظام محاولة لاحتواء أي ردّ فعل من جانب دروز سوريا ولبنان. كذلك هدفت الى تحصين موقف جنبلاط الذي أجرى سلسلة اتصالات دولية وعربية لدعم موقفه وموقف المعارضين الدروز في سوريا، وهو الامر المترافق مع الجهد السياسي والأمني والعسكري والإعلامي الهادف الى فكّ محافظة السويداء عن جسم الدولة السورية. حالة الاستنفار الكبير التي يعيشها جنبلاط ومعاونوه في لبنان، والمرتبطون به في سوريا، تؤكد هدفهم بمحاصرة أي تحرّك يدعو إلى قتال «النصرة» وحمل السلاح. وفي اليومين الماضيين، مارس جنبلاط ضغوطاً كبيرة في مناطق الشوف وعاليه وحاصبيا وراشيا لتطويق حالة الغليان التي اجتاحت الشارع الدرزي في لبنان وسوريا وفلسطين. وتولى شخصياً، أو عبر معاونيه، الاتصالات مع مشايخ الطائفة ورؤساء البلديات وفعاليات المناطق، والتواصل أيضاً مع قوى 8 آذار الفاعلة في الجبل، لمنع أي تحرك تصعيدي. حتى إن دعوة مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي للتجمّع في «قاعة الرسالة الاجتماعية» في مدينة عاليه للتضامن مع أهالي قلب لوزة صباح أمس، استدعت استنفاراً من البلدية والاشتراكيين لإبلاغ الأهالي عدم التجاوب مع الدعوة. وجالت سيارات تابعة للبلدية في أحياء المدينة لتحذير الأهالي من المشاركة، إضافة إلى تنفيذ انتشار أمني لشرطة البلدية وقوى الأمن الداخلي لمنع وصول مشاركين مفترضين، ما يعكس تخوّفاً كبيراً من ردّ الفعل في الشارع. كذلك ضغط جنبلاط لمنع إلقاء كلمات خلال صلاة عن روح شهداء المجزرة أقامها المشايخ في بلدة بعقلين في الشوف أمس، تجنباً للمواقف السياسية. وفي مقابل محاولة ضبط الشارع التي يقوم بها جنبلاط، والاستمرار في الترويج لرواية «الحادث الفردي»، لا تقتنع غالبية أهالي قرى الجبل والشوف وحاصبيا بالخطاب الجنبلاطي، لا سيّما جسم المشايخ، مع الحديث عن وجود مشروع لتوجه شباب ومشايخ إلى السويداء والقتال ضدّ العصابات التكفيرية التي تهدّد مدينة السويداء وقرى المحافظة. وفي سياق المواقف الرافضة لمسار جنبلاط، ردّ النائب طلال أرسلان بالتأكيد على أن «هذه الخديعة لن تنطلي على الموحدين الدروز أينما وجدوا، والاعتذار هو بمثابة تسخيف لما حصل من هجمة بربرية وحشية بحق الدروز العزّل من السلاح، ولا نزال نؤكد أن هذه المجزرة بتوقيتها، تأتي في سياق المؤامرة الكبرى على سوريا، وتخدم المصالح المشتركة للتكفيريين وإسرائيل، وهما وجهان لعملة واحدة». من جهته، أكّد الوزير السابق وئام وهّاب أن «هناك الآلاف مستعدون للدفاع عن جبل العرب، وسنحصل على السلاح بكل الوسائل وسنحارب بكل الوسائل، ومن يرد حمل السلاح ويذهب إلى السويداء فليذهب». وطالب الرئيس السوري بشار الاسد والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بتقديم السلاح. وقال وهّاب، خلال استقباله حشداً كبيراً من أهالي الشوف، إن «أي اعتداء علينا في أي منطقة يعني أن الوضع سيفلت من الجميع، لأن أي اعتداء على أي توحيدي هو اعتداء علينا».
(كرملنا)