عناصر المراجعه :
انت منذ الان انت
الرأي العام : محمود درويش - أنت منذ الآن أنت
محمود درويش – أنت منذ الآن أنت
الكرملُ في مكانه السيّد … ينظر من علٍ إلى
البحر. والبحر يتنهّد، موجةً موجةً، كامرأةٍ
عاشقةٍ تغسل قدَمَيْ حبيبها المتكبّر!
□
كأني لم أذهب بعيداً. كأني عُدْتُ من
زيارة قصيرة لوداع صديق مسافر، لأجد
نفسي جالسة في انتظاري على مقعد حجري
تحت شجرة تفاح.
□
كل ما كان منفى يعتذر، نيابةً عني،
لكلّ ما لم يكن منفى!
□
الآن، الآن … وراء كواليس المسرح،
يأتي المخاض إلى عذراء في الثلاثين،
وتلدني على مرأى من مهندسي الديكور،
والمصوّرين!
□
جرت مياه كثيرة في الوديان والأنهار.
ونبتت أعشاب كثيرة على الجدران. أمّا
النسيان فقد هاجر مع الطيور المهاجرة …
شمالاً شمالاً.
□
الزمن والتاريخ يتحالفان حيناً، ويتخاصمان
حيناً على الحدود بينهما. الصفصافة العالية
لا تأبه ولا تكترث. فهي واقفة على
قارعة الطريق.
□
أمشي خفيفاً لئلاً أكسر هشاشتي. وأمشي
ثقيلاً لئلاً أطير. وفي الحالين تحميني
الأرض من التلاشي في ما ليس من صفاتها!
□
في أعماقي موسيقى خفيّة، أخشى عليها
من العزف المنفرد.
□
ارتكبتُ من الأخطاء ما يدفعني، لإصلاحها،
إلى العمل الإضافيّ في مُسَوّدة الإيمان
بالمستقبل. من لم يخطىء في الماضي لا
يحتاج إلى هذا الإيمان.
□
جبل وبحر وفضاء. أطير وأسبح، كأني
طائرٌ جوّ – مائيّ. كأني شاعر!
□
كلّ نثر هنا شعر أوليّ محروم من صنعة الماهر.
وكلّ شعر، هنا، نثر في متناول المارة.
□
بكلّ ما أوتيتُ من فرح، أخفي دمعتي
عن أوتار العود المتربّص بحشرجتي، والمتلصّص
على شهوات الفتيات.
□
الخاص عام. والعام خاص … حتى إشعار
آخر، بعيد عن الحاضر وعن قصد القصيدة!
□
حيفا! يحقّ للغرباء أن يحبّوك، وأن ينافسوني
على ما فيك، وأن ينسوا بلادهم في
نواحيك، من فرط ما أنت حمامة تبني عُشّها
على أنف غزال!
□
أنا هنا. وما عدا ذلك شائعة ونميمة!
□
يا للزمن! طبيب العاطفيين .. كيف يحوّل
الجرح ندبة، ويحوّل الندبة حَبّة سمسم.
أنظر إلى الوراء، فأراني أركض تحت المطر. هنا،
وهنا، وهنا. هل كنتُ سعيداً دون أن أدري؟
□
هي المسافة: تمرين البصر على أعمال البصيرة،
وصقل الحديد بناي بعيد.
□
جمال الطبيعة يهذب الطبائع، ما عدا طبائع مَنْ
لم يكن جزءاً منها. الكرمل سلام. والبندقية نشاز.
□
على غير هُدىً أمشي. لا أبحث عن شيء. لا
أبحث حتى عن نفسي في كل هذا الضوء.
□
حيفا في الليل … انصراف الحواس إلى أشغالها
السرية، بمنأى عن أصحابها الساهرين على الشرفات.
□
يا للبداهة! قاهرة المعدن والبرهان!
□
أداري نُقّادي، وأداوي جراح حُسّادي على
حبّ بلادي … بزِحافٍ خفيف، وباستعارة
حَمّالة أوجُه!
□
لم أرَ جنرالاً لأسأله: في أيّ عامٍ قتلتَني؟
لكني رأيتُ جنوداً يكرعون البيرة على الأرصفة.
وينتظرون انتهاء الحرب القادمة، ليذهبوا إلى
الجامعة لدراسة الشِعر العربيّ الذي كتبه موتى
لم يموتوا. وأنا واحد منهم!
□
خُيّل لي أن خُطاي السابقة على الكرمل هي
التي تقودني إلى “حديقة الأم”، وأن
التكرار رجعُ الصدى في أغنية عاطفيّة لم تكتمل،
من فرط ما هي عطشى إلى نقصان متجدّد!
□
لا ضباب. صنوبرة على الكرمل تناجي أرزة
على جبل لبنان: مساء الخير يا أختي!
□
في قلبي منطقة ما، غيرُ مأهولة، تُرحّبُ
بالصغار الباحثين عن حيّز غير محتلّ، لنصب
مُخيّم صيفيّ!
□
أعبُرُ من شارع واسع إلى جدار سجني
القديم، وأقول: سلاماً يا مُعلّمي الأول في
فقه الحرية. كنتَ على حق: فلم يكن الشعر
بريئاً!
□
هل قال أحدهم: إن سيد الكلمات هو سيد
المكان؟ ليس هذا زهواً ولا لهواً. إنه أسلوب
الشاعر في الدفاع عن جدوى الكلمات، وعن
ثبات المكان في لغة متحركة!
□
لرائحة الشجر الصيفية نكهة إيروسية. هنا
تداخلتُ في العشب والزغب والنمَش وسواه،
تحت ضوء القمر!
□
حيفا تقول لي: أنت، منذ الآن، أنت!