حوار مع رئيس لجنة الأبحاث والنشر في مجمع اللغة العربيّة الدكتور حسين حمزة

 

hs-1 

أجرى الحوار معه: سيمون عيلوطي.

الدّراسات الأدبيّة الجادة التي يقوم بها الدكتور حسين حمزة، والأبحاث القيّمة التي ينشرها بين الحين والآخر، لفتت انتباهي فجعلتني أتابع أخباره وما يكتبه، حتى وقعت بين يديّ مجموعة شعريّة له عنوانها: “بوح الغزال” التي أتت مع اهتمامه أيضًا بالشعر المحكي الذي خصه بكتاب ضمّنه دراسة شامله حوله.

بعد نيله شهادة الدّكتوراه من جامعة تل أبيب، شغل عدة مناصب علميّة وأكاديميّة، أذكر منها، ترأسه لقسم اللغة العربيّة في الكليّة الأكاديميّة العربيّة للتربية في حيفا، وانتخابه رئيسًا للجنة الأبحاث والنّشر في مجمع اللغة العربيّة وغيرها. حول هذه الأمور، سجّلنا معه الحوار التالي:

**تّم انتخابك مؤخّرًا رئيسًا للجنة الأبحاث والنشر في مجمع اللغة العربيّة.. ما هي الأبحاث التي تعنيكم أكثر من غيرها، وما هي المعايير التي تقرّون من خلالها نشر هذا البحث أو ذاك؟

*لجنة الأبحاث والنشر في مجمع اللغة العربيّة الذي يرأسه البروفسور محمود غنايم تهتمّ بنشر الأبحاث الأصيلة في اللغة العربيّة وخاصّة في اللغويّات، الأدب، الترجمة والمشهد اللغويّ لمجتمعنا العربيّ؛ لأن له خصوصية تتشكّل من خلال العلاقة مع اللغة العبريّة. أمّا المعايير التي تنتهجها اللجنة فتستند إلى أصول البحث العلميّ المتعارف عليها في الجامعات ومعاهد البحث المختلفة؛ فعلى البحث أن يكون أصيلا على نحو ما. كما أنّ الأبحاث المقدّمة للمجمع تعرض على عدّة قراء للتحكيم. نتوخّى بذلك إلإسهام في الحفاظ على هويّتنا من جانب، وعلى خصوصيّتنا الحضاريّة والثقافية من جانب آخر.

**يُلاحَظ أنّ المجمع أخذ في الآونة الأخيرة يهتمّ بالعمل على نشر الأبحاث أكثر من اهتمامه بنشر بالأدب، بصفتك مهتمًا بالأدب والشعر، كيف ستولي هذا الجانب، خاصّة بعد أن شغلت منصب رئيس لجنة الأبحاث والنشر، الاهتمام الذي يستحقّه؟

*أعتقد أنّ المجمع يحاول إيجاد نوع من التوازن بين الدراسات الأدبيّة واللغويّة. ومن الملاحظ أنّ الدراسات الأدبية بشكل عامّ في مجتمعنا العربيّ هي الأكثر حظًّا ومعالجة. وذلك لأنّ الأدب في بنيته العميقة هو التعبير الأرقى عن اللغة. لكن لجنة الأبحاث تشجع وتدعم الدراسات اللغويّة؛ لأنّها تطمح إلى خلق مرجعيّة لغويّة للمشهد اللغويّ في البلاد.

**أعرف مدى حبّك للغة العربيّة مثل معرفتي لتمكّنك من إتقانها.. ماذا أضاف ذلك لتدريس اللغة العربيّة في الكليّة الأكاديميّة العربيّة للتربية في حيفا، التي تحاضر لطلابها وتشغل أيضًا منصب رئيس قسم اللغة العربيّة فيها؟

*الكليّة الأكاديميّة العربيّة للتربية هي صرح ثقافيّ عريق، خرّج الآلاف من المعلمين والمديرين والمفتشين. ونحن في قسم اللغة العربيّة نعمل على تعزيز تعلّم اللغة العربيّة، فوضعنا خططًا دراسيّة تهدف إلى جعل تعلّم العربيّة اختصاصًا واحدًا، إذ سيمكّن ذلك الطالب من الإلمام باللغة، والانكشاف على أهمّ فروعها المعرفيّة والتعلّميّة. لا يكفي الإلمام بقواعد اللغة بل هناك حاجة إلى تحويل هذه المعرفة “الخاملة” عند الطالب إلى ممارسة عمليّة تتجلّى بالتحدّث باللغة المعياريّة. كلّ ذلك برعاية وتوجيهات رئيس الكليّة المحامي زكي كمال والبروفسور سلمان عليان مدير الكليّة.

**إضافة إلى عملك وانشغالك في المجالات التي تحدّثنا عنها قبل قليل، فإنّك تكتب الشعر وقد أصدرت في العام 2006، مجموعة بعنوان: “بوح الغزال” عدا عن الدراسات والمقالات الأدبيّة التي تقدّمها للقرّاء. سؤالي هو: كيف توفّق بين هذه الأعمال والنشاطات؟

*كتابة الشعر هي نوع من الهواية التي أسعى من خلالها إلى تدريب الذات على الالتفات إلى نفسها في خضم الأمور المعقّدة والمتشابكة في عصرنا المعولم. وأنا أومن أنّ الوقت كلما ملأته ازداد اتساعًا؛ فالملل قاتل له، والعمل تاج لجوهره.

**ماذا أضافت دراستك “معجم الموتيفات المركزيّة في شعر محمود درويش”، الصادرة عن “مجمع اللغة العربيّة”، إلى الدراسة التي قمت بتحقيقها قبل ذلك بسنوات، والتي تناولت فيها شعر “درويش” أيضًا. أذكر أنّها صدرت عن “مكتبة كلّ شيء” في حيفا: بعنوان: “مراوغة النص، دراسات في شعر محمود درويش”. ثمّ هل ترى بأنك في هاتين الدراستين قلت كلّ ما تريد قوله حول هذا الشاعر؟

*هاتان دراستان مختلفتان؛ ففي مراوغة النص عالجت قضايا عينيّة في شعر درويش بينما في معجم الموتيفات حاولت أن أقف على أهمّ مكونات الشاعر الثيماتيّة؛ وهي الدراسة الأولى من نوعها في الشعر العربيّ الحديث التي تعالج تجربة الشاعر بشكل متصالب عموديًّا وأفقيًّا. أمّا عن الشقّ الثاني من السؤال، فدرويش تجربة شعرية شامخة، وقد قلت في مناسبة أخرى إنّ النقاد سيختلفون على بيت من شعره بعد ألف سنة.

**ما هو سبب اهتمامك بالشعر المحكيّ إلى الحدّ الذي دفعك إلى أن تصدر كتابًا حوله، عنوانه، “الطائر المحكيّ، دراسات في الشعر الشعبيّ”؟

*أعشق الشعر المحكي كثيرًا، وأعتقد أنّ معظم أبناء جيلنا  نشأ على الشعر الشعبيّ في الأعراس والليالي الزجليّة. وقد أصبح اليوم لدينا قصيدة محكية تنافس أختها الفصحى، وخاصّة في الصورة الشعريّة الحيّة النابضة بالواقع المعيش؛ فالاستعارات حيّة تتنفس لما لقوّة المفردة العامّيّة من دلالات قد يصعب ترجمتها إلى الفصحى.

**كيف تنظر إلى حركتنا الأدبيّة المحليّة، وكيف تنظر إلى نفس الحركة في العالم العربيّ؟

حركتنا الأدبيّة بخير. قد يكون هناك الكثير من الأدباء والقليل من الأدب. وفي اعتقادي هذه ظاهرة صحيّة؛ فالعصر العباسيّ ضجّ وعجّ بآلاف الشعراء، لكنّ غربال التاريخ والنقد الصادق لم يُبقِ إلا على  بضع مئات منهم. كان هناك دائمًا وفرة في الإبداع وقلّة في النقد، والناقد لا يستطيع أن يواكب كلّ ما ينشر عندنا؛ لأنه يحتاج إلى عمرين كي يقرأ ما كتب، لذلك فإنّه أشبه بالبوصلة التي تشير إلى الاتجاهات الرئيسيّة لتطوّر الحركة الأدبيّة. أعتقد أنّ هذا التوصيف ينسحب على الحركة الأدبيّة العربيّة بشكل عام، على الرغم من وجود علامات فارقة بينهما تتعلّق بالخصوصيّة، وسعة الفضاء والإمكانات.

**لنعد إلى مجمع اللغة العربيّة: توجّه المجمع قبل مدّة بنداء إلى جمهور الباحثين في اللغة العربيّة لتقديم اقتراحات لأبحاث ونشر كتب علميّة أكاديميّة تتضمّن تجديدًا في مجال اللغة العربيّة. معلنًا بأنّ الأفضلية ستكون للأبحاث التي تعالج المجالات التالية: 1- مجال المصطلحات والألفاظ؛2- مجال الترجمة والتعريب؛3- مجال لغة أدب الأطفال المحلي والعربي؛4- مجال لغة الأدب؛5- مجال اللهجات العربيّة. كيف كانت الاستجابة لهذا النداء.. وأين وصلتم في هذا المشروع الثقافيّ الكبير؟

كانت الاستجابة جيّدة  فقُدّمت أبحاث في مجال المصطلحات والتعريب وتحقيق قضايا لغويّة وفي أدب الأطفال. وإذ نشدّ على أيدي الباحثين نطمح إلى المزيد من الدراسات الجادّة التي تسهم في الرقي بإنجازنا الثقافيّ والحضاريّ في هذه البلاد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .