ايمن عودة بعدسة موقع الوديان
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
على الرغم من الأغلبية الكبيرة المشكلة من 73 عضو كنيست من الائتلاف وأطراف في المعارضة أخفق الائتلاف الحاكم في اقصاء النائب ايمن عودة والذي يتطلب وفقا للقانون 90 صوتا من اصل 120. في كلمته دعا النائب عودة الى أوسع جبهة عربية يهودية ضد الفاشية تعتمد مبادي وقف الحرب والسلام والمساواة والحرية.
الجلسة البرلمانية، والتي شهدت تحريضًا غير مسبوق ضد النائب العربي ومعظم التمثيل البرلماني العربي والتقدمي، تشكّل سابقة سياسية خطيرة وتمهّد لمسار يهدف إلى شطب العمل السياسي العربي في إسرائيل ، ضمن رؤية عنصرية ترى في مواطنة الفلسطينيين العرب خطرًا وجوديًا.
شكل النقاش في الهيئة العامة للكنيست في ملف اقصاء النائب ايمن عودة تكثيفا للروح الحاكمة والسائدة اسرائيليا. كما كشف ما أكده النائب من حزب العمل/(الدمقراطيون) غلعاد كريف عن استكمال “انقلاب الكهانية”، وبأنها حاكمة وهي التي حتى بالمفهوم الصهيوني التقليدي استبدلت ثلاثة من مؤسسي الصهيونية وأهم تياراتها في إشارة الى هرتسل وبن غوريون ومناحيم بيغن.
وزير التراث الإسرائيلي عميحاي الياهو والذي دعا في حينه الى القاء قنبلة ذرية على غزة، عقب على منصة اكس بقوله: “حتى لو لم ننجح اليوم في إقصاء الإرهابي الذي يرتدي بدلة، ما زلنا نتقدم نحو النصر. المؤيدون للإرهاب مثل عودة لن ينجحوا”.
ملاحظات أولية:
– اسقاط مشروع الائتلاف لإقصاء ايمن عودة، كان ثمرة الحملة الشعبية والسياسية المحكمة والنموذجية في التصدي للإقصاء والتي اتسعت على مدار أسابيع عديدة. حملة قادها النائب عودة محليا وعلى الساحة الإسرائيلية، كما استقطبت أصوات غير مألوفة بمن فيها برلمانيين اوروبيين وأعضاء في الكونغرس الأمريكي، وحقوقيين إسرائيليين ومحاضري جامعات، وكذلك رئيسا حكومة سابقين (أولمرت وبراك) وعدد من عائلات الاسرى والمحتجزين في غزة، بالإضافة الى حملة الأحزاب العربية والقوى والفعاليات المحلية. هذه الحملة تحتاج الى النقاش الموسع كونها اول جبهة بعد السابع من أكتوبر 2023 تخترق الاجماع القومي الصهيوني.
– اعتمدت الحملة رسالة مفادها، بأن احباط مشروع اقصاء النائب عودة لا ينحصر في الشخص، بل يتعدى ذلك باعتباره محطة في الكهانية الفاشية الحاكمة نحو شطب الأحزاب العربية ومنعها او جزء منها من خوض الانتخابات من خلال دمغ مواقفها بدعم الإرهاب او العدائية لدولة إسرائيل.
– كان من اللافت موقف حزب يهود التوراة الحريدي الذي تغيّب عن التصويت رغم كونه لغاية لحظة التصويت عضوا في الائتلاف الحاكم، ولم يلتزم بالانضباط الائتلافي.
– صحيح ان نتيجة التصويت قد اسقطت المقترح الا ان دلالاتها خطيرة للغاية، اذ صوت 73 عضوًا لصالح الإقالة، مقابل 15 ضد وهم نواب قائمة الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة والتي ينتمي اليها النائب عودة والعربية للتغيير برئاسة النائب احمد طيبي والقائمة العربية الموحدة برئاسة النائب منصور عباس ونواب حزب “الدمقراطيون” برئاسة يائير غولان، وتغيب 32 عضو كنيست عن التصويت من حزبي “يوجد مستقبل (لبيد) و”المعسكر الرسمي” (غانتس). يعتبر هذا التغيب عن التصويت رفضا للإقصاء لكن كي لا يبينوا انهم في موقف مشترك مع النائب عودة والأحزاب العربية..
– كانت حيثيات جلسة الكنيست قد بيّنت مدى النفوذ الكهاني الفاشي وهيمنته على الأجواء العامة، فقد شكلت الجلسة ما هو أشبه بمحكمة ميدانية عنيفة وترهيبية دونما اية روادع ولا كوابح، بما فيها استخدام خطاب “دعم الإرهاب”، و”يجب سحب مواطنتك” و “سننفيك الى غزة” و “إرهابي يرتدي البدلة”، و”مخرب” والقائمة طويلة جدا.
الخلاصة:
** صحيح ان مقترح اقصاء النائب ايمن عودة قد سقط، الا ان جلسة هيئة الكنيست قد تكون اخطر جلسة عقدها الكنيست في تاريخه، فيما يتعلق بنزع شرعية الصوت السياسي العربي وأحقيته ولكتم اي صوت ضد الحرب على غزة، وشكلت اطارا مبكرا للدعاية الانتخابية للكنيست القادمة.
** ما حدث في الجلسة ما هو إلا تمهيد مبكر لحملة انتخابية دموية، تتضمن شيطنة الصوت العربي، وشرعنة الإقصاء، وربما هجمات مادية على السياسيين العرب ومؤيديهم.
**. محاولة شطب نائب عربي ليست فقط قرارًا سياسيًا، بل محاولة خلق سابقة قانونية تسمح بإقصاء أي مرشح عربي لاحقًا بتهمة “دعم الإرهاب”، بما يشبه قانون “الولاء”. وقد تمتد الهيمنة السياسية الحالية إلى ترهيب أو تحييد المحكمة العليا، لتصبح غير قادرة على منع شطب قوائم أو مرشحين مستقبلاً.
**تشكل الجلسة تأكيدا على ان الائتلاف الحاكم لن يتخلى عن السلطة وسيسعى للتمسك بها باي ثمن وبكل الوسائل بما فيها العنيفة والترهيبية ضد كل معارضيه وحصريا ضد الأحزاب العربية.
**تؤكد حيثيات النقاش في الكنيست مدى الخطر الوجودي الذي يتعرض له الفلسطينيون العرب المواطنون في إسرائيل بموازاة حرب الإبادة في غزة والتطهير العرقي في الضفة والقدس، مما يتطلب سلوكا سياسيا بروح الحملة لمنع اقصاء النائب عودة، بأبعادها المختلفة محليا ودوليا، كما تحتم تسريع الجهود نحو تشكيل قائمة مشتركة للأحزاب العربية بمركباتها الاصلية وبتوسيع صفوفها نحو اجتهادات ومبادرات تلتقي مع هدف التصدي للفاشية الكهانية التي تبلغ اعنف فصولها وتحكم سيطرتها كما لم يكن يوما.
** إسقاط مشروع إقصاء النائب أيمن عودة هو انتصار سياسي معنوي ورمزي هام، لكنه لا يلغي حقيقة أن المنظومة الإسرائيلية تدخل مرحلة جديدة من الفاشية التشريعية والمؤسساتية، والتي تضع الفلسطينيين العرب مواطني الدولة في خانة الخطر الوجودي.