أهدانا بروفيسور حسيب شحادة، باحث علم اللّسانيات/اللغة (Linguistics) المعروف على مستوى العالم، كتابًا جديدًا، بعنوان: “لهجة كفرياسيف، نصوص نثريّة وشعريّة، مشفوعة بأوزان الفعل والصّفّة، بشروح، بتمارين ومقالات”، والكتاب من إصدار: مركز أبحاث اللّغة، الثّقافة والمجتمع العربيّ، المعهد الأكاديميّ العربيّ للتّربية، الكلّيّة الأكاديميّة بيت بيرل 2024، والمؤلّف يُهدي كتابه هذا عن لغة أمّه إلى معلِّميه الأوّلَين، والديه الحبيبين الراحلين، إلى زوجته، إلى الأجيال التّالية، إلى أبنائه وأحفاده، وإلى جميع الفلسطينيّين خصوصًا، والعرب عمومًا المقيمين خارج أوطانهم.
الكتاب من قسمين، الأوّل: باللّغة العربيّة، وهو من 192 صفحة مع المصادر، أمّا القسم الثّاني فهو باللّغة الإنجليزيّة، وهو يشمل 283 صفحة. ويعرض الكتاب لهجة أهالي كفرياسيف الأصليّين، من مسيحيّين ومسلمين ودروز، وهي لهجة الباحث والمؤلّف، بروفيسور حسيب شحادة.
يجد القارئ في البابين: الأوّل والثّاني من الكتاب، تمارين في علم الأصوات، وذلك من خلال عرض ما يقارب من ثلاثة آلاف فعل مصنّفة بحسب الأوزان، وطريقة تصريف كلّ وزن مقرونة بالصّيغ السّتّ التّالية: ماضٍ، مضارع، أمر، اسم فاعل، اسم مفعول ومصدر. يتلوها حوالي خمسمائة صفة بحسب أوزانها.
يشمل الكتاب ثمانية وخمسين نصًّا نثريًّا مُنقحرًا كالمعتاد في الأبحاث العلميّة الحديثة، بالحروف اللّاتينيّة مشفوعة بشرح الكلمات الصّعبة بالإنجليزيّة، في القسم الإنجليزيّ. أمّا القسم العربيّ فيضمّ اثنتين وعشرين مقطوعة شعريّة عامّيّة لخمسة كفارسة، كما يضمّ أكثر من ثلاثين أغنية أو أنشودة شعبيّة مستمدّة من التّراث الشّعبيّ تُردّد في الأفراح والأتراح؛ ويلي كلّ هذه النّصوص النّثريّة والشّعريّة ما يقارب الخمسمائة تمرين.
ويحتوي الكتاب على أربع مقالات، للمؤلّف نفسه، اثنتين بالعربيّة، واثنتين بالإنجليزيّة، الأولى: “المستوى الصّوتيّ للهجة كفرياسيف”؛ والثّانية: “نظرات مقارنة بين لهجة لبنانيّة ولهجة فلسطينيّة، بِكْفَيَّا-كفرياسيف”، والثالثة: “كنتْ اشتري في لهجة كفرياسيف”، والرابعة: “بورد وإخوانه في لهجة كفرياسيف”، وقد نُشرتْ كلّها في أكثر من مجلّة علميّة. وينتهي الكتاب بقائمة طويلة من المراجع المحتلنة يزيد عددها عن التسعمائة، والملاحظات الهامشية تزيد عن الألفين وخمسمائة.
لقد كتب بروفيسور حسيب شحادة عن لغة الأمّ معتبرًا اللّغة المحكيّة هي لغة الأمّ، على اعتبار أنّها أوّل ما يتعلّمه الطّفل حتّى جيل سبع سنوات، حيث يبدأ بتعلّم اللّغة الفصحى في المدرسة، ووَفق التّعريف اللّغويّ الحديث، نعم، اللّهجة المحلّيّة هي لغة الأمّ.
الأمر الّذي يجعل أهميّة اللّغة المحكيّة خطيرة، فهي الوعاء الحافظ لتراثنا، وهي مكوّن رئيس لهويّتنا القوميّة والثّقافيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة؛ من هذه الرّؤية لأهميّة اللّغة المحكيّة، وفي ظلّ التّأثير الجارف لـِ”العبرنة” و”التّعبرن” و”العولمة” تتعزّز الحاجة بوجوب الحفاظ على هذه اللّغة الغنيّة الّتي تحمل تقاليدنا وعاداتنا وأغانينا، ومأكولاتنا، ولباسنا، وأمثالنا الشّعبيّة، ومناسباتنا، وأصول تعاملنا، وأدوات عملنا، وقصصنا الشّعبيّة، وأسماء نباتاتنا، وطيورنا، وحيواناتنا، وحشراتنا، وأمراضنا، وأسماء مواقع أرضنا، وسائر ما يميّزنا عن غيرنا من الشّعوب والأمم؛ وبناء عليه، فإنّ أهميّة هذا الكتاب تندرج في سياق الحفاظ على هذه اللّهجة الّتي تعتبر كنزًا ثقافيًّا، ومركّبًا مركزيًّا في الهويّة القوميّة والثّقافيّة. وفي هذا السّياق نشير إلى أنّ هذا الكتاب بوفرة نصوصه حول لهجة قرية صغيرة هو بمثابة عمل رائد لا مثيل له، وأهمّيّته تتجلّى إذا ذكرنا بأنّ قُرابة نصف الشّعب الفلسطينيّ يعيش في الشّتات، خارج وطنه.
تحيّة مكلّلة بالتّقدير والاحترام والامتنان للباحث المرموق، بروفيسور حسيب شحادة، ابن كفرياسيف، عميق الانتماء لبلده ومجتمعه وشعبه رغم بعده الجغرافيّ وتحليقه في فضاء علم اللّسانيّات في العالم، إذ قضى عقودًا محاضرًا في الجامعة العبريّة، ثمّ محاضرًا في جامعة هلسنكي، وتقاعد عن العمل كأستاذ محاضر، لكنّه لم يتخلَّ عن مهنته ورسالته كباحث، يخوض غمار الدّراسات الأكاديميّة الرّاقية، ويفيد الإنسانيّة بأبحاثه النّافعة لأهله وللنّاس أجمعين. بقي أن أشير إلى أنّ الكتاب متوفّر في كليّة بيت بيرل yara@beitberl.ac.il ، وفي مكتبة “الجيل” لصاحبها الأستاذ نمر نجّار في كفرياسيف.
د. إياد الحاج
كفرياسيف
٢٠٢٥/٤/٢٧