نوايا اسرائيل وتكثيف تدخلها في سوريا

أمير مخول

في خطابه يوم 23/شباط امام خريجي الدورة الخامسة لتأهيل الضباط في فرق القتال البري، أفرد نتنياهو حيزا خاصا للشأن السوري، ومطالبته بنزع السلاح في كل المنطقة الممتدة جنوبا من العاصمة دمشق.  استخدمت اسرائيل هذه المسألة ذريعةً للاستيلاء دونما حرب على مساحات شاسعة داخل الاراضي السورية في جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة باتجاه دمشق، والتي تضاف الى احتلال الجولان منذ العام 1967 ولاحقا اعلان ضمه. اضاف نتنياهو بأن اسرائيل “لن تتيح لجبهة تحرير الشام او للجيش السوري الجديد بالتواجد الى الجنوب من دمشق”.

وفقا لصحيفة يسرائيل هيوم المقربة من نتنياهو، قام الجيش الاسرائيلي مؤخرا بتعزيز نطاق عملياته العسكرية في سوريا، وبتوسيع المنطقة والسيطرة على بلدات جديدة وببناء عدد من القواعد العسكرية الثابتة بالاضافة الى إنشاء بنية تحتية لاستدامة الاحتلال، فيما صرح وزير الامن كاتس بأن الجيش الاسرائيلي باقٍ في هذه المناطق لأجل غير مسمى، وهي الصيغة المستخدمة لإدامة الاحتلال. كما نوه الى نوايا اسرائيل في الدفع نحو تفكيك استباقي لوحدة اراضي سوريا.

طالب نتنياهو بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، من قوات النظام الجديد. واضاف “لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا”.

نقلت صحيفة معاريف 25/2 تلميحات وزير الامن كاتس بأن  اسرائيل تدفع باتجاه قيام حكم ذاتي درزي ليشكّل منطقة فاصلة بين معظم الاراضي السورية والحدود التي تفرضها اسرائيل حاليا داخل سوريا، وبأن الجيش الاسرائيلي سوف يوفر المظلة الأمنية وسيكون القوة العسكرية الوحيدة في هذه المناطق. فيما –ووفقا للصحيفة – بدأت اجهزة الامن الاسرائيلية باستقدام عمال سوريين دروز الى بلدات الجولان المحتل منذ 1967 للعمل فيها، مشيرا الى انه في حال قيام حكم ذاتي في المنطقة المذكورة “سوف تكون حرية الحركة متاحة للدروز بالاتجاهين”.

تعتبر اسرائيل بأن تركيا باتت مبعث القلق الاكبر في الشأن السوري. وبأن سوريا أصبحت “محمية فعلية للحاكم التركي رجب طيب أردوغان”. وتضيف يسرائيل هيوم عن مصادر سياسية رفيعة أن عداء الرئيس التركي لليهود معروف منذ فترة طويلة، وقال أيضا خلال الحرب إن “قواته ستواجه إسرائيل يوما ما”. ويبدو أنه من أجل إحباط مثل احتمالية هذا التطور مسبقا، تطمح إسرائيل إلى نزع السلاح بالكامل في المنطقة التي يمكن أن يحدث فيها مثل هذا الصراع. وبأنه قد يكون هناك أيضا تقارب في التهديدات من قبل ميليشيا ترعاها تركيا والتي ستتحدى إسرائيل، مما يعزز الفكرة الاسرائيلية بأن نزع السلاح السوري في الجنوب يشكل بديلا عن ضربة استباقية اسرائيلية.

حسمت اسرائيل امرها، فيما لو تسنى لها، بأن تُبقي على تواجدها العسكري في المناطق التي سيطرت عليها بعد انهيار نظام الاسد، واذ اعتبرت النظام السابق مركزيا وبأنه حافظ على هدوء الجبهة السورية الاسرائيلية، فيما اعتبرت ان النظام الجديد غير مستقر وبأن وحدة الاراضي السورية غير مضمونة وقد يتحول الامر الى صراع داخلي جهوي سوري “ينعكس على اسرائيل” على ضوء “الكراهية المتأصلة”. بناء عليه يشير كل من نتنياهو وكاتس الى ان اسرائيل تدفع باتجاه تجزئة سوريا وتفكيك وحدتها الجغرافية لصالح اقاليم منفصلة متصارعة على اساس ديني او طائفي او مذهبي او إثني.

تعتقد القيادة الاسرائيلية بأن الهدوء في الداخل السوري مضلل بل ترى ان الشعب السوري في طور التفكك الى طوائف ومجموعات، فيما يعتبر كل من نتنياهو وكاتس بأن النظام الحالي هو مليشيات في حُلّة نظام حاكم، وبأن الهدوء سوف يستحيل الى توترات عنيفة ولها اسقاطاتها على الموقف من اسرائيل ويشكل خطرا على اهالي الجولان المحتل منذ67 ومعظم انحاء البلاد.

وفقا لتقديرات صحيفة يسرائيل هيوم ونقلا عن مصادر امنية استخباراتية، فإن الرئيس السوري الحالي، على ما يبدو ، لا ينوي حقا مهاجمة إسرائيل، بينما لا يزال “من غير الواضح ما إذا كان سيتمكن على المدى الطويل من الحفاظ على نظام مركزي قوي يدير سوريا بحزم”. بعبارة أخرى، بينما ترى هذه الجهات بأنه إذا ظهرت ميليشيات مناهضة لإسرائيل تتحدى قوات الجيش الإسرائيلي على الحدود، فليس من المؤكد أنه سيكون قادرا وراغبا في العمل ضدها.

تقوم اسرائيل بنسج “علاقات مدنية صحيّة” مع المجموعات السكانية في المناطق التي اشار لها نتنياهو، وحصريا مع الدروز وفقا للمصدر، والذين قرر نتنياهو ووزيره كاتس “ببسط الحماية الاسرائيلية عليهم”، وهو ما رفضته القيادات الدينية والسياسية لهذا المركب من الشعب السوري، كما يجدر التنويه الى ان اسرائيل اخفقت على مدار ستة عقود تقريبا من تغيير هوية اهالي الجولان السوري المحتل عام 1967 وانتماءهم الى الوطن الام سوريا، رغما عن قلة عددهم.

ترى الحكومة الاسرائيلية بأنها قد أوصلت رسالتها الى النظام السوري الجديد والى تركيا باعتبار النظام السوري يخضع لوصايتها وبأنها تنتظرلتعرف كيف سيتعامل النظام التركي مع تهديداتها في سوريا. بناء عليه قد تقوم بتوسيع نطاق سيطرتها واحتلال مناطق جديدة.

للتنويه فإن الاطماع في سوريا تسبق قيام اسرائيل عام 1948، بل تعود الى اواخر عشرينيات وثلاينيات القرن الماضي حيث سعت الحركة الصهيونية الى ضم المناطق الزراعية والمناطق الغنية بمصادر المياه الى الدولة العتيدة ولتوسيع مشروعها في فلسطين.

في الخلاصة؛ ترى اسرائيل بأن تركيا تبسط وصايتها على سوريا بعد سقوط نظام الاسد، مما يشكل مصدر قلق ومخاطر تحدق باسرائيل. بناء عليه تسعى اسرائيل الى خلق اقليم انفصالي تحت مسمى الحكم الذاتي وتحت وصايتها رغما عن رفض سكانه. كما تعتبر احتلالها دائما وخطوة نحو توسيع حدودها تتوافق مع تصريحات ترامب بصدد حاجة اسرائيل الى ذلك.

كما تسعى اسرائيل الى فرض شروطها الاستباقية على سوريا وتركيا ويبدو بضمانات امريكية ايضا، بما فيه السيطرة على مناطق شاسعة، ونزع السلاح في كل المنطقة الواقعة الى الجنوب من العاصمة دمشق بما في ذلك منع انتشار الجيش السوري الجديد فيها. مما قد بنبيء باستهداف الجيش السوري الجديد وفرض الامر الواقع عليه.

ترى الحكومة الاسرائيلية بأن امكانية تماسك وحدة سوريا الجغرافية هي شأن مؤقت وتسعى الى تعجيله بهدف الاستئثار في السيطرة على مناطق سورية شاسعة، ووضع العاصمة دمشق تحت التهديد الاسرائيلي الدائم، ومما قد يدفع النظام الجديد في حال لم تتفكك البلاد الى تغيير العاصمة.

لا توجد تقديرات باحتمالية حرب اسرائيلية تركية، بل ان المسعى الاسرائيلي هو تقاسم مصالح، حتى ولو كان في ظل التوتر الدائم، وبدعم امريكي

(مركز تقدم للسياسات)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .