المطلوب فورًا إقامة أطر للشباب بخطر

جعفر فرح

في كل مرة يُثار موضوع الجريمة في المجتمع العربي، وتشعر المؤسسة بضغط معّين، يتم مجددًا طرح الحلول “السحرية” التي يزعم ممثلو المؤسسة أن الأمر كله متعلق بها: كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت وتدخل الشاباك.. والحقيقة أن من يصّدق هذه الادعاءات، أو بالأحرى الترهات، فعليه ببساطة أن يزور محطات الشرطة والسجون التي تحولت الى مقرات لتجنيد الشباب لعصابات الإجرام. للتذكير، فإن غالبية الجرائم يتم توثيقها بالكاميرات ويتم تعميم هذا التوثيق بشكل مقصود للترهيب. ولا تستفيد الشرطة من الكاميرات لحل غالبية الجرائم.

الأزمة الأخلاقية والتربوية والاجتماعية التي تمر فيها مجموعات معينة، مجموعات تحت الخطر ببلداتنا العربية، لا توجد لها حلول سحرية. وأقول مجموعات لأننا نعرف ان غالبية شبابنا لديهم أطر مناسبة في المدارس والجامعات وأماكن العمل. ولكن هناك مجموعة من الشباب التي تم تهميشها ويتم استغلالها ودخلت الى عالم الإجرام، وتدفع ثمن دخولها بحياتها.

المطلوب انقاذ هذه الفئة من الشباب في الاحياء والبلدات التي تحولت الى ساحات معارك. شباب تحولوا الى قتلة او الى ضحايا بمعارك المنظمات أو على أموال السوق السوداء والخاوة، وتجارة الأسلحة والمخدرات والنفايات والقناني الفارغة.

نريد من الشرطة أن تقوم بعملها فحسب ووقف الذرائع والحجج التي تبين زيفها. ولكن في نفس الوقت، يجب العمل على الشباب، إنه عمل ضروري وعاجل وداهم وليس عملًا للأمد البعيد. كل يوم بالإمكان انقاذ شباب من دخول الجريمة، كل ساعة، كل دقيقة

انقاذ هؤلاء الشباب يحتاج الى ميزانيات، والأهم الى التزام أخلاقي من قبَل من يعمل مع الشبيبة بخطر ولكنه يستهتر بدوره ولا يعتبره عملًا مقدسًا يضاهي بقداسته عمل الطبيب وقد يفوقه، كيف لا وهو العمل الذي قد ينقذ حياة هؤلاء الشباب وحياة اهلهم وضحاياهم.

الحديث أننا بحاجة إلى  حل للأمد القصير، يتمثل بكاميرات المراقبة وأجهزة التجسس، بينما العمل على الشباب هو حل للأمد الطويل، هو هروب من المسؤولية. نعم نحن بحاجة أن تقوم الشرطة بواجبها، الطبيعي والبديهي، الذي تقوم به كل شرطة في العالم، حتى في أفقر واضعف الدول، وهذا ضروري ولا يحتاج إلى التذرع بموافقتنا على أن يتم التجسس علينا أو زرع بلداتنا بالكاميرات أو ادخال الشاباك وإظهار الأمر كأن المشكلة تكمن فينا مجتمع. فبعدما انتهى مفعول حجة أن العرب لا يتعاونون مع الشرطة، وقد انتهى مفعولها بعد أن فشلت الشرطة بحماية من تعاون معها وقدم لها توثيقات كاميراته أو قدم شكوى، بعدما أنتهى مفعول هذه الحجة، بدأوا الآن بتكرار الحجج الأخرى. نريد من الشرطة أن تقوم بعملها فحسب. ولكن في نفس الوقت، يجب العمل على الشباب، إنه عمل ضروري وعاجل وداهم وليس عملًا للأمد البعيد. كل يوم بالإمكان انقاذ شباب من دخول الجريمة، كل ساعة، كل دقيقة. وهذا العمل، بإمكاننا كمجتمع، كسلطات محلية، كأحزاب، كمؤسسات مجتمع مدني، أن نبادر ونبدأ به، ونتقدم بشكل جيد، وفورًا، حتى قبل تخصيص ميزانيات خاصة له من قبل المؤسسة التي تتجاهلنا غالبًا، رغم أن هنالك بعض الميزانيات التي لا تستنفد للأسف من قبل سلطاتنا المحلية، هي بالذات في أقسام الرفاه الاجتماعي.

  • ما المطلوب؟

ببساطة، أولًا  منع تسرب الشباب من المدارس الإعدادية والثانوية، إذ يتحمل المديرون ورؤساء أقسام التربية والرفاه والمسؤولون عن أقسام الشباب مسؤولية إيجاد أطر ملائمة لكل شاب ومنع تسربه خارج المدارس. هؤلاء المتسربون هم الفريسة الاسهل تجنيدها كجنود بعصابات الإجرام. هؤلاء اذا فصلوا سيعودون  على الدراجات النارية للاعتداء على مدارسهم وبلدهم.

ثانيًا، توفير أطر مناسبة للتدريب المهني لهؤلاء الشباب تناسب مع قدراتهم وميولهم.

ثالثًا،  توفير أماكن عمل لهؤلاء الشباب والاهتمام بحقوقهم لكي لا يتم استغلالهم وتحويلهم الى مجموعة حاقدة على من تركهم واستغلهم.

رابعًا، فتح النوادي وحركات الشباب داخل الاحياء المهمشة ودمج هؤلاء الشباب بأطر تحتضنهم وتمنحهم فرصا ونماذج إيجابية، وعدم الاكتفاء بنوادي المتميزين والموهوبين بالعلوم.

خامسًا،  دعم كل الداخليات والاطر التربوية التي تحتضن الايتام والأطفال بخطر وتبني هؤلاء الشباب والأطفال من خلال مرافقتهم ومساندتهم وتدريبهم على المهارات الحياتية.

سادسًا، توفير صناديق قروض لإنقاذ من يتورط بديون، بسبب البطالة او الفقر او سياسة السكن او حتى أخطاء بالإدارة المالية السليمة. وقد أقيمت صناديق من هذا النوع، ولكنها غير كافية، تعمل بالتعاون مع أقسام الرفاه الاجتماعي (مراكز عوتسما) وجمعية “عوجن” التي تحصل على ميزانيات حكومية وصناديق وبرنامج معالجة الديون.

سابعًا، تدريب الشباب بخطر على الإدارة المالية السليمة.

ثامنًا، توفير أطر لإعادة تأهيل شباب اعتقلوا وادينوا وسجنوا ومساندتهم في الابتعاد عن عالم الإجرام. وللأسف يتم اهمال المؤسسات، القائمة حاليا، والتي تستطيع أن تنقذ حياة الاف الشباب بدل احتضانهم عند خروجهم من السجون من قبل العصابات.

تاسعًا، توفير أطر محلية في الأحياء والمدارس والسلطات المحلية للتدخل وحل الخلافات المحلية قبل وصولها للعنف والقتل.

نعم، إن المسؤولية عن تجفيف مستنقع الإجرام تقع على الحكومة المعنية بتخويفنا واشغالنا بالعنف المجتمعي وابعادنا عن التأثير السياسي والاقتصادي والاجتماعي وخلق حالة من الإحباط بيننا. ولكننا لا نستطيع ان نسمح للإحباط بأن يسيطر علينا، لدينا القوة الداخلية والدافعية للحفاظ على وجودنا وحماية عائلاتنا وبيوتنا وشوارعنا ومؤسساتنا. نعم، لقد اغلقوا لجنة إفشاء السلام ولكننا نستطيع تنظيم لجان الاحياء ولجان الأهالي ومجالس الطلاب وفروع الأحزاب واستعادة ملكيتنا على أولادنا وبناتنا وشوارعنا.

فلنخرج من حالة الغضب والإحباط الى مواجهة الواقع المفروض علينا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .