الجمع بين العطاء الأدبي والنشاط النضالي والمواقف الوطنية هو أسمى خِصال رفاقنا الأدباء والمناضلين الشيوعيّين والجبهويين، الّذين حين يرحلون عنّا يتركون فراغًا واضحًا في حركتنا الأدبية والثقافية وفي حراكنا النضاليّ. طيّب الذكر حسين مهنا هو من هؤلاء، وقد رحل عنّا بعد مسيرة غنيّة قضاها في ممارسة الابداع الأدبي من الشعر والنثر وكتابة الروايات والقصص القصيرة، وفي العطاء الوطني والاجتماعيّ في مواجهة سياسات التمييز والتجهيل وسلب الحقوق.
عرفناه شاعرًا متألقًا، وطنيًّا صادقًا، مُحبًّا لبلده ومخلصًا لمجتمعه. نبراسًا للاخلاق العالية وللتواضع الحقيقي، وعنوانًا لمحبة الناس. لا يبخل ولو للحظةٍ عن العطاء، ولا يتردّد في بذل كل جهد في الدفاع عن عدالة قضايا شعبنا. عرفناه مناضلًا صلبًا في معركة البقاء والتجذّر والتطوّر في هذا الوطن الذي لا وطن لنا سواه، وفي مسيرة حماية الهوية الوطنية وترسيخ مكانة لغتنا القومية، لغة هذا الوطن.
باصرار المناضلين وعِزّة الوطنيين، تحدّى حسين مهنا مع رفاقه في الحزب الشيوعيّ والجبهة سياسات الاقصاء والاضطهاد القوميّ، تنادوا للمطالبة بالمساواة المدنيّة والقومية وبالعدالة الاجتماعيّة والطبقيّة، وتكاتفوا للحفاظ على متانة النسيج الوطنيّ والاجتماعيّ لكل أبناء وبنات شعبنا.
بهدوئه وثقته بصحّة هذا الدرب النضالي، يخطّ حسين مهنا في قلمه ما نعيشه من ألم جماعي لشعبنا، ويصيغ ما يستكشفه من أمل مرتقب، بينما تصرّ كلماته على أن ترسم ملامح المستقبل الأفضل لنا جميعًا في وطن الآباء والأجداد.
غياب حسين مهمنا هو خسارة لحراكنا الادبي، لمجتمعنا في الداخل، ولشعبنا الفلسطيني عمومًا. وفي هذه الأيّام تحديدًا تمتزج ذكرى رحيله بتواصل الحرب على غزة لعام كامل من القصف والدمار، وهو من كان سيكون في طليعة كلّ صوت يدعو إلى وقف الحرب وإلى نصرة الحق والمظلومين من أبناء وبنات شعبنا.
رحل حسين مهنا جسدًا، لكنّه سيبقى علمًا ثقافيًا وأدبيًا شامخًا يرفرف في ساحات الشعر والأدب بما تركه من إرث ادبي وثقافي، وصوتًا عنيدًا في الميادين المندّدة بالظلم وبالحرب وبالاحتلال، والمطالبة بالسلام والعدالة والمساواة.
لذكرى شاعرنا حسين مهنا البقاء، وللحركة الادبية والوطنية متابعة المسيرة، والاستمرار بدربه ودرب رفاقه المبدعين.
(نُشرت الكلمة في كتاب التأبين)