الحرب على غزة ومصير جبهتي الشمال والضفة


امير مخول

وفقا للصمت الاسرائيلي الرسمي أمام مجمل التصريحات الامريكية الصادرة عن بلينكن واوستين وبايدن والتي تتحدث نيابة عن اسرائيل، فإن المؤسسة الاسرائيلية السياسية والامنية حصريا، تعترف ضمنيا وبشكل غير رسمي بأن الحرب على غزة قد بلغت مداها، ويبقى التساؤل هل ستعلن الحكومة عن انتهائها بعد ان انتهت من احتلال قطاع غزة بالكامل وتراجع ملحوظ لقدرات حماس العسكرية والسلطوية دونما القضاء عليها بخلاف ما حددته في اهدافها الاولية. وهل ستنحو نحو الصفقة بروح خطاب بايدن والتي تتدحرج نحو وقف إطلاق نار مستدام وانهاء الحرب، حتى وإن لم يعلن ذلك، ام انها وكما في شهر رمضان الاخير سوف تقوم بوقف إطلاق النار المستدام كخطوة من طرف واحد ومن دون صفقة، وترك الامور لما تفضي اليه التطورات.
– من الملاحظ تراجع خطاب “الانتصار على بعد خطوة” الذي ردده نتنياهو قبل بدء عملية رفح، وتراجع خطابه ايضا بأن وقف إطلاق النار يعني الهزيمة الاسرائيلية. وكان الجيش اول المنظومات الاسرائيلية التي اعلنت انتهاء جل المهام العسكرية الحربية في قطاع غزة والدعوة الى ضرورة “منع تآكل الانجازات” والاستفادة من السيطرة العملياتية الاوسع من اجل تحديد معالم التوجه المستقبلي بمسمّاه “اليوم التالي”.
– وفقا لتقديرات الجيش فإن الصفقة باتت حاجة اسرائيلية استراتيجية، ومن دونها، ستستمر “الهجمات على غزة بلا هدف” – وقد يتدهور الشمال إلى حرب شاملة، في حين تسعى اسرائيل لتكثيف اغتيالات كبار ضباط حزب الله دون تحديد استراتيجية لنفسها، مما يجعل ردود حزب الله أكثر عمقا وأكثر شدّة وفقا لصحيفة هارتس 12/6.
– تُجمع كل من واشنطن وتل ابيب على أن الشأن المركزي هو “لن يكون بمستطاع حماس ولن يتاح لها ان تقرر مصير المنطقة”. بينما تعلن واشنطن ان الحرب قد بلغت مداها، فإن نتنياهو لا يزال يتبع موقفا يحدد صيغته، بالحفاظ على أولوياته السياسية وعلى ائتلافه الحاكم. كما صرح بلينكين انه يبحث في اسرائيل مسألة اليوم التالي للحرب ومستقبل غزة، مسنودا بقرار مجلس الامن الداعم لصيغة الرئيس بايدن، بالإضافة الى مناقشة الوضع على الحدود مع لبنان وتأكيده على اولوية الحل الدبلوماسي وفي ذلك بعض التراجع عن خطاب بايدن الذي أكد ان الحل في هذه الجبهة منوط بوقف إطلاق النار في غزة وبأن الحل دبلوماسيا، بينما اعتبر بلينكن ذلك اولوية وليس خيارا وحيدا.
– يتضح من خطاب بايدن وكذلك تصريحات بلينكن خلال زيارته للمنطقة (11و12/6) بالإضافة الى محادثة وزير الدفاع اوستين مع غالنت (فجر 12/6)، بأن الموقف الامريكي هو الحيلولة دون تصعيد الحرب على الجبهة الشمالية بين اسرائيل وحزب الله ودون تدحرجها نحو حرب مفتوحة، وذلك باعتبارها قد تتحول الى حرب اقليمية لها اسقاطات مباشرة على اولويات الولايات المتحدة اقليميا وعالميا، وتداعيات على الانتخابات الامريكية للرئاسة وحصريا على احد اهم محاور التنافس بين بايدن صاحب استراتيجية اولوية التدخل الخارجي، كما في الحرب على غزة والحرب في اوكرانيا، وبين ترامب صاحب مبدأ “امريكا اولا”، والذي يلقى مدّاً اوروبيا عبرت عنه نتائج انتخابات البرلمان الاوروبي.
– فعليا فإن خطاب واشنطن المتكرر على لسان مسؤوليها يشير الى حصر الحلول في مصير قطاع غزة، دون رابط حقيقي مع مصير الضفة الغربية، وذلك بخلاف موقف الدول التي اعترفت مؤخرا بدولة فلسطين في الضفة والقطاع والقدس. ويشكل موقف واشنطن الفعلي ارضية مريحة لحكومة نتنياهو وللساحة السياسية الاسرائيلية بما فيها المعارضة الصهيونية، بكونها لا تنشغل ببدائل وحلول شاملة.

الضفة في حسابات اليوم التالي لغزة:
بينما تنشد الانظار وبحق نحو قطاع غزة، فإن الطبقة السياسية الحاكمة اليوم في اسرائيل قد حددت بأن هذه الحالة هي الوضع الامثل لتطبيق مخططاتها في الضفة الغربية. منذ تشكيل الحكومة الحالية وحصريا منذ اعلان الحرب تجري عملية متسارعة وكثيفة لإحداث أكبر تغيير ممكن في واقع الفلسطينيين في الضفة الغربية.
– المميز لهذه المتغيرات هو انها منظوماتية بنيوية في مواقع اتخاذ القرار، وميدانيا تسعى الى فرض امر واقع احتلالي غير قابل للإزالة لاحقا وفقا لحكومة نتنياهو وعلى وجه التحديد الوزير سموتريتش.
– راكم وزير المالية سموتريتش وهو الوزير في وزارة الامن صلاحيات غير مسبوقة على حساب صلاحيات وزير الامن وقائد المنطقة الوسطى في الجيش. وبات فعليا هو الحاكم الاول للضفة الغربية، ووفقا له تسير عمليات جيش الاحتلال والمستوطنين الهادفة الى اقتلاع الوجود الفلسطيني، وتقوم الاستراتيجية الاسرائيلية في الضفة على عدد من الاسس؛ التطهير العرقي والاقتلاع، تسوية “قانونية” تشمل 63 بؤرة استيطانية؛ توسيع الاستيطان القائم على المناطق المفتوحة واعطاء الاولوية لشمال الضفة والاغوار؛ نقل صلاحيات الادارة المدنية الى منظومة الاستيطان؛ بتر تام لشمال الضفة عن جنوبها؛ تقويض السلطة الفلسطينية ماليا وحرية عملها، وتعطيش سكان جنوب الضفة في منطقة جبال الخليل بتقليص حصة المياه بنحو 35% لصالح المستوطنات.
– تربط هذه الاستراتيجية بين الاستيطان في شمال الضفة الغربية والاستيطان في غزة وتسعى الى ذلك فعليا نحو حل الصهيونية الدينية لغزة والقائم على تقسم القطاع الى قسم شمالي “اسرائيلي” وقسم جنوبي فلسطيني بمن فيهم النازحون من مدينة غزة والشمال. كان سموتريتش أعلن في اكثر من مناسبة ان الهدف هو منع قيام دولة فلسطينية، وتسريع الضم والتغيير السكاني الفلسطيني. كما يولي هذا التيار الحاكم الاولوية لمستقبل الضفة الغربية على حساب غزة وذلك من منطلقاته العقائدية، وهو ما يتوافق مع قناعات نتنياهو نفسه وحزب الليكود الحاكم.
للخلاصة، تتسع القناعة في اسرائيل بأن الصفقة هي حاجة استراتيجية اسرائيلية وامريكية. كما وتشكل الصيغة التي طرحتها الولايات المتحدة وأقرها مجلس الامن اعترافا ضمنيا بضرورة انهاء الحرب ووقف التورط الاسرائيلي. ولا يزال منحى الامور هو التصعيد المنضبط على الجبهة الشمالية دون تدهور الامور نحو الحرب الشاملة المفتوحة.
بغض النظر عن الصفقة، فإن التصعيد الاحتلالي الشامل في الضفة الغربية والسعي لتدمير مقومات حياة الناس وكيانيتها وتقويض السلطة هو الاولوية لدى حكومة نتنياهو سموتريتش، وبانتظار احتمالية انتخاب ترامب الداعم للضم. فيما يشهد الخطاب الامريكي تراجعا عن اولوية الدفع نحو الحل الشامل على اساس مبدأ الدولتين، لصالح الانشغال الحصري بالصفقة ووقف إطلاق النار المستدام في غزة.
(مركز تقدم للسياسات)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .