أتحفنا الكاتب الصحفي هادي زاهر بإنتاجه الأدبي الجديد ” الرسالة الأخيرة لأبي ذر “، وهي مجموعة من الشعر النثري تجلّت فيها صورة أخرى للأخ هادي، وهي الحنين المتدفق والروح الإنسانية. فالأخ هادي قلما يُبدي مشاعره الخاصة وهو المعروف بوطنية المتأججة، ومواقفه الثابتة المشرّفة تجاه أبناء جلدته.
فماذا نرى في هذه المجموعة؟ نرى عملا أدبيا يحوي ألما وأملا، لوما وتقريعا، فخرا واعتزازا بأمته وعروبته وحثا على استمرار النضال دون عنف.
وقد اخترت في هذا التقييم البسيط نبذات من بعض القصائد، آملا أن أستطيع إيفاء الشاعر والديوان بعض حقهم. بدأ أديبنا مجموعته برسالة إلى المرحومة والدته ” أمي:
” كل شيء يمضي..
يفوت سوى حنانكِ باقٍ لا يموت”.
ويرثي فلذة كبده شادي ويساءل:
” أتراه الحزن لا يرضى بسواي
آهٍ يا ولدي يا شادي
دمعي ودمي امتزجا في حبري ومدادي”
بعدها يرثي قريبَه المرحوم علاء الدين الصيدلي ذا القلب الكبير:
” حضوره فينا كان الدواء “.
كما لم ينسَ شاعرُنا رجلَ التاريخ المرحوم قيس فرو
“ذهب قيس وغاص عميقا فينا ”
. بعد هذه الأحزان تغمر السعادة قلبَ هادي وهو يرى أحفاده من حوله ” فرح يتقافز في كل مكان “.
بعد هذه الكلمات المؤثرة يتفرغ هادي إلى آلام شعبه بدءا ببيروت، التي تمثّل في نظري الوطن العربي:
” بيروت يا عضلة الحجاب الحاجز ”
وكيف تآمر عليها اللصوص فتركوها يتيمة تعاني مشاق الحياة. قصيدة:
” وُجِدنا لندجّن المحال ”
تجمع بين اليأس والأمل والدعوة إلى التخلي عن الاستعطاف:
“على أكتافنا تنعق غربان البين
كفى هذا التمرغ بالوحول والانحناء على عتبة الجلاد”
كذلك قصيدة ” نستطيع “:
“نستطيع أن نكون ما نريد
ولنا أن نستعيد ذلك الماضي التليد.” أما قصيدة ” بين النخلة وفلذة كبدها ” فقد أهداها هادي إلى المناضل أيمن زيدان ونجله كمال، بعد أن تخرج كمال من السجن بسبب رفضه الخدمة العسكرية الإجبارية:
“لن أكون أداة في يديهم لتعذيب وقتل أبناء شعبي”
وفي قصيدتي ” الكرمل.. جوهرة الذرى ” و ” يا سويداء قلب التاريخ والجغرافيا ” يفتخر الشاعر بوطنه ومحبته له:
“الكرمل بلدي قطعة من روحي وهو ابن العلا ”
وعن السويداء:
“أيها الطغاة العابرون مهلا
مهما زرعتم أرضنا قتلا
رضنا بقيت لنا…”.
ويحاول هادي استعادة عهده مع الكتاب الذي أهمِل مع الأيام:
” غبار كثيف على الرفوف
ولا أحد يصغي لنداء الحروف…”
قصيدة إني على العهد ” وكذلك ” مناجاة كنز الصواب “. في ” خمارة وسيجارة وبالوعة ” هناك لوم لمن بايع الصهيونية الناكرة للجميل.
وفي ” ارقص فرحا طربا ” ينحي هادي باللوم على المجتمع والعنف، فالسلطة ترقص طربا لتفشّي العنف بيننا. والآن إلى القصيدة التي اختارها هادي عنوانا للديوان (الرسالة الأخيرة لأبي ذر): العنوان لا يوحي بالمضمون، فالرسالة الأخيرة تعني الموت أو الزوال، وأمثال أبي ذر الذي كان يد الرسول اليمنى في المعارك والدعوة، وبُشِّر بالجنة لا يموتون بل تبقى أرواحهم مرفرفة في سماء البطولة والتضحية. القراء الكرام: لقد ضاق بنا المجال فنختصر لنقول:
أولا، لغة الكتاب واضحة سهلة سلسة بدون تعقيدات أو حتى رموز.
ثانيا: اعتمد هادي في هذا الديوان أسلوبا أدبيا متطورا جمع بين النثر والموسيقى.
ثالثا: كتب هادي كتابه هذا بأحاسيس متقدة وعاطفة جياشة، بدأها بالحنين لوالدته ونجله وقريبه وتلاها بالحنين لوطنه، حيث غلبت في الكتاب النزعة الوطنية، بكل ما فيها من آلام وتوقعات. ويظهر جليا في غالبية القصائد حب الأديب لبني جلدته، فتراه يكثر من الدعوة إلى الصمود أمام الاحتلال، ويحث بني قومه على الصبر مع كثرة اللوم عليه، حيث لفتت انتباهي قصيدة ” مطر في كل الفصول له زخات “, التي يتعرض فيها لنجاح اللاعب محمد صلاح ويتساءل بمرارة بما معناه هل لا نبي ببلده؟ كنت لاختار عنوانا آخر للكتاب مثل ” عشرة أيام في الأسبوع ” آملا أني استطعت تبليغ رسالة الأخ هادي. على كل حال نتمنى للأخ هادي زاهر المزيد من العطاء الأدبي الذي يزيّن مكتباتنا.