أُمّي.. شعر :عبد الناصر صالح ـ طولكرم/فلسطين

( تصادف اليوم 14/12/2021م ، الذكرى السابعة لرحيل والدتي الحاجة فاطمة عبد الفتاح التايه ” أم عكرمة ” ، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته ..)

 

لا..لم تَمُتْ
أُمّي ذُؤابَةُ مُهجَتي
ومروجُ أحداقي الظّليلة ِ
واندفاعُ الموجِ في عينيَّ
أتبعُ ظِلّها
طفلاً على أعتابها يحبو
ويصطادُ الملائكةَ الصغارَ
يدقُّ بابَ الشمسِ
يجلب نورَها للأرضِ مُنسجمَ الرؤى
أمي تهلُّ كما الضُّحى خلف الغمامِ
بوجهها المسكون بالرّيْحانِ
والأَلَقِ النديِّ
تهلّ من أملٍ تعثّر في بريقِ الحلمِ
يَسْكُنُ صورَةَ الأمسِ البعيدِ
أُحبُّ مُخْمَلَها
دليلي الطّيرُ نحو عيونِها
فتجيءُ وافرةَ الحُضورِ
أريكةً غنّاءَ تعبرُ غيْمتي
حُلمي بدائيٌّ بسيطُ الأمنياتِ
هواجسي لُعَبي الصّغيرةُ
أستريحُ على الوسادةِ
لا أرى غَيْري
أنا الطفلُ المدلّلُ والمُشاكِسُ و المُعانِدُ
لا أريد سواكِ يا أُمي
أنا الطفلُ الشقيُّ المُرْهَفُ الوجدانِ
لم أضحكْ لغيْركِ
أو تُهروِلُ دمعتي ..
أمي مِدادُ الرّوحِ
وجهٌ فارِهٌ كالبحر
أرسُمُ نجمةً في ثوبِ أمي
قطةً تجثو على السُّجادِ
أو نِسْراً على الجُدرانِ
يَرْدَعُنِي أبي
أبكي ..
وأركضُ صَوْبَ أمي
أبتغي مُلْكاً مُضاعاً فوق هَوْدَجِها
أنا الطفلُ المدلّلُ
سارقُ النّارِ
المُغامِرُ
لاعِبُ الحَرَكاتِ
شيطانُ المدارسِ
قائدُ الطّلابِ في أعراسِ يومِ الأرضِ
مُلْهِمُهُمْ
خَطيـبُهُمُ المُفَوّهُ
والمُسافِرُ في قطارِ الشّعرِ
يبحثُ عنْ قصيدَتِهِ ..
لم ينلْ منْ حظّهِ شيئاً سوى بَرْدِ السُّجونِ
وآفةِ القُضْبانِ
قلبي طيّعٌ مرنٌ كلحنِ الوردِ
ظلّي مثلما القمرِ الخجولِ
يحارُ عندَ بُزوغِهِ
مَلكيّةٌ لُغَتي
وأحلامي تؤوّلُ لي غدي
في حكمةِ التسبيحِ
يخشعُ تمرُها
تمضي إلى غاياتِها سُفُني
ولا فانوسَ غيرُ يَديّ
كلّما ضاعَتْ خُطايَ دَنَوْتُ
أمي مُبتَغايَ
إليكِ ترحالي
وآخرُ لوحةٍ خُتِمَتْ على وجهي
أحدّقُ في مرايا العمرِ
أسئلةٌ بحجم البحر
قصَّةُ عاشقٍ يَتَفيّأُ المعنى
ويُسْرِجُهُ كخيلٍ في بهاءِ قصيدةٍ تأتي ..
وأُمّي حِنْطَةُ البيتِ القديمِ
براعمُ الحنّاءِ في أضلاعهِ
صورٌ معلّقةٌ لمرجٍ ضاعَ في ليلٍ
عَصِيٍّ عابثٍ ..
أُمّي صفاءُ القلبِ
فاكهتي المُفَضَّلةُ
المواعِظُ
آيةُ الكرسيِّ
ذاكرتي الطرِيّةُ
عُنْفواني ..
وطني الذي ناديتُ في الأحشاءِ
نافِذَتي على الدُّنيا ..
صباحاتٌ تزيّنها صلاةُ الفَجْرِ
والدَّعَواتُ بالعمرِ المَديدِ
وبالفَلاحِ
تَغُذُّ ذاكرتي برائِحة الجبالِ
قصيدتي الأولى على شُبّاكِها انفَطَرَتْ
وقفتُ ببابِها العالي
لأقتنصَ الفَراشَ يَرِفُّ حول جبينِها
وأُلامِسُ الخدّيْنِ
يَمْتَثِلُ الكلامُ لها ..
لكأنَّ أُمي استحدَثَت ناياً على شفتي
وأغرتْني بذائقةٍ تُمَوْسِقُ حِدّة الكلماتِ
حين تَعُضُّني الأيامُ
أو يطغي السؤال المستبدُّ
كأنَّ أوهامي مرايا ..
دافيءٌ حُلمي كرائحةِ التُّرابِ
كقلبِ أمي
دافيءٌ متورّدٌ
هل كنتُ طفلاً أم أنا وَجَعُ الهُتافِ
وسيّدُ الحَسْراتِ
هل ضاقَتْ بيَ الرّؤيا
لأغْرَقَ في تشتّتها؟
سأبكي : أين أُمي ؟
لم تَمُتْ
هيَ في الفؤاد تُطِلُّ صورتُها
على نبض الجوانحِ
غادةً حسناءَ
وجهاً فارهاً كالبحرِ
كلُّ حدائقِ الدُّنيا سَتخْسَرُ في الرِّهانِ أمامَ عَيْنيْها
وأمي سوف ترجِعُ
ذات يومٍ مُقْمِرٍ
لا
ريْبَ
فيه ..
*****
طولكرم/فلسطين

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .