كثيرة هي المجازر التي ارتكبت بحق شعبنا الفلسطيني، بدءًا بمجزرة دير ياسين والدوايمة وقبيه وكفر قاسم وبلد الشيخ وأيلول الأسود وصبرا وشاتيلا، ولكن الأشد شراسة وأعنفها مجزرة تل الزعتر، التي تصادف ذكراها الخمسة والأربعين هذه الأيام.
لقد دفع أبناء مخيم تل الزعتر في لبنان فاتورة غالية، ثمنها الدفاع عن الذات الفلسطينية الوطنية، وهي تدمير وسحق المخيم، وسقوط ما يربو على أربعة آلاف شهيد، من كل الاعمار، صغارًا وكبارًا.
مجزرة تل الزعتر هي جزء من التراجيديا الفلسطينية المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني، الذي لم يحقق حلمه بالحرية والاستقلال وإقامة دولته الوطنية المستقلة، وإنجاز حق العودة.
في ذكرى مذبحة تل الزعتر، وبعد مرور كل هذه السنوات الطوال على وقوعها، لا تزال الإبادة الوحشية التي تعرض لها الفلسطينيون في تل الزعتر بلبنان حاضرة في أذهان الكثيرين، وشاهدة على أفظع الجرائم الإنسانية، ولا يمكن للذاكرة الفلسطينية الحية أن تمحو آثار هذه المجزرة التي حصدت الآلاف من الأرواح، وتآمرت فيها عدة أطراف لقتل المدنيين العزل واللاجئين المهجرين.
إن مذبحة مخيم تل الزعتر تمثل واحدة من الصفحات السوداء في تاريخ الحرب الاهلية اللبنانية، التي اندلعت العام 1975 واستمرت 15 عامًا.
ولعل أفضل من حصّن هذه المجزرة والمذبحة ضد النسيان، وأبقى ذكراها حيّة في الوجدان الشعبي العام، هو شاعرنا الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش في ملحمته الشعرية الباذخة والخالدة “احمد الزعتر” التي خلد فيها مقاومًا من لحم ودم، اسمه أحمد الزعتر، قضى نحبه بين أهله وجيرانه، في أكبر مذبحة ليست من صنع الصهيونية، ويقول في مستهلها:
ليدين من حجر وزعتر
هذا النشيد…. لأحمد المنسّي بين فراشتين
مضت لغيوم وشرّدتني
ورمت معاطفها الجبال وخبّأتني
..نازلا من نحلة الجرح القديم الى تفاصيل
البلاد. وكانت السنة انفصال البحر عن مدن
الرماد. وكنت وحدي
ثم وحدي ….
اه يا وحدي؟ واحمد
كان اغتراب البحر بين رصاصتين
مخيما ينمو وينجب زعتر ومقاتلين
وساعدًا يشتد في النسيان
ذاكرة تجيء من القطارات التي تمضي
وأرصفة بلا مستقبلين وياسمين
كان اكتشاف الذات في العربات
او في المشهد البحري
في ليل الزنازين الشقيقة
في العلاقات السريعة
والسؤال عن الحقيقة
هنالك قضايا ما زالت عالقة، قضايا إنسانية لا يرفضها أي عقل إنساني، بل لا يقبل أن تبقى عالقة حتى الآن، قضايا لم يتم حلّها بحجج واهية، كالحفاظ على السلم الأهلي، والتعالي على جراح الماضي.
وأخيرًا، يمكن القول بملء الفم أن الجريمة المروعة في تل الزعتر، شكلت فاتحة عريضة لجملة طويلة من المجازر في المخيمات الفلسطينية، التي تتناسل اميبيًا من بعضها البعضً، وأننا لا ننسى أبدًا هذه المجزرة وكل المجازر التي اقترفت بحق شعبنا الفلسطيني المشرد والمعذب في كل بقاع الدنيا.