يا مُحَمَّد.! …. حسين مهنا

 

 

لَنْ أَبْكيكَ يا رَفيقي !  لَنْ أَبْكيكَ يا مُحَمَّد.. فَالبُكاءُ لِلضُّعَفاءِ.. وأَنْتَ لا تُحِبُّ الضُّعَفاءَ.. ليسَ لِأَنَّكَ مِنْ طينَةٍ غيرِ طينَةِ البَشَرِ، بَلْ لِأَنَّكَ بِروحِكَ الثّائِرَةِ قَدِ اخْتَرْتَ الدَّرْبَ الصَّعْبَ في عالَمٍ ثَلاثَةُ أَرْباعِهِ قَهْقَهاتُ مُتْرَفين.. ورُبْعُهُ زَفَراتُ كادِحين.  وَلَكِنْ لا بَأْسَ إِنْ سَقَطَتْ دَمْعَةٌ مِنْ عَيني خِفْيَةً عَنْكَ.. فالرِّجالُ يَبْكونَ الرِّجالَ، وقَدْ يَكونُ بُكاؤُهُمْ أَشَدَّ إِيلامًا مِنْ بُكاءِ الأَطْفال.

لَقَدْ أَحَبَّكَ النّاسُ بِقَدْرِ حُبِّكَ لَهُمْ، فَكَرَّموكَ مُقيمًا بَينَهُمْ، وكَرَّموكَ راحِلًا عَنْهُمْ؛ وَقَدْ أَحْبَبْتَ الجَليلَ، فَبادَلَكَ حُبًّا بِحُبٍّ وَأَعْطاكَ مِنْ شَذاهُ ما شِئْتَ، فَعَجَنْتَ كَلِماتِكَ بِما أَعْطاكَ وقَدَّمْتَ لَنا أَدَبًا شامِخًا كَشُموخِ الجَرْمَقِ.. صامِدًا كَصُمودِ الزَّابودِ.. عَطِرًا كَعِطْرِ قَرَنْفُلٍ غَرِسَتْهُ جَليلِيّاتٌ فاتِناتٌ تَدَلَّى على جَوانِبٍ الطُّرُقاتِ يَنِثُّ أَصْباحًا واعِدَةً، ويَسْتَعيدُ فَرَحُا هارِبًا.

أَحْبَبْناكَ يا مُحَمَّد.. أَحْبَبْناكَ بِهَذا الاسْمِ المُبارَكِ.. أَحْبَبْناكَ بِكُلِّ ما حَمَلْتَ مِنْ صِفاتٍ؛ حَتّى الَّتي لَمْ نَكُنْ في وِفاقٍ مَعَكَ فيها كَالمُبالَغَةِ في التَّواضُعِ والإِيثارِ وإِنْكارِ الذّاتِ، أَحْبَبْناها فيكَ لِأَنَّها فُصِّلَتْ ثَوبًا قَشيبًا على مَقاسِكَ لا يَليقُ إِلَّا بِكَ! أَحْبَبْناكَ ومِنْ حَقِّنا أَنْ نَتَساءَلَ: ما أَنْتَ اَيُّها الرَّجُلُ الأَريب؟! يا مَنْ إِذا كَتَبَ أَعْجَب.. وإِذا تَكَلَّمَ أَطْرَب.. وإِذا وَقَفَ على مِنْبَرٍ أَلْهَب! ما أَنْتَ اَيُّها الفارِسُ الَّذي أَعْطى الفُروسِيَّةَ مَعْنىً حَضارِيًّا، لَمْ تَعْتَلِ صَهْوَةَ جَوادٍ يَومًا.. وَلَمْ تَشْهَرْ سَيفًا أَو رُمْحًا.. ولَكِنَّكَ اعْتَلَيتَ صَهْوَةَ الكَلِمَةِ، وشَهَرْتَ يَراعًا يَرْشَحُ نورًا يُضيءُ عَتْمَةَ الحَياةِ أَمامَ بائِسينَ يائِسينْ. فَكانَ أَمْضى مِنْ أَيِّ سَيفٍ وأَنْفَذَ مِنْ أَيِّ رُمْح.

سَلامٌ عَلَيكَ يا مَنْ سِرْتَ تَحْتَ الرَّايَةِ الحَمْراءِ.. رايَةِ حِزْبِ ماركس ولينين.. وقُدْتَ الضّالِّينَ إِلى جادَّةِ الصَّوابِ واليَقين..

سَلامٌ عَلَيكَ يا مَنْ تَرَكْتَ لَنا أَدَبًا حَمَلَ جُرْحَ فِلَسْطينَ وأَحْيا النَّبْضَ الثّائِرَ في قُلوبِ الكادِحين..

سَلامٌ عَلَيكَ يا مَنْ إِذا سامَرْتَ الحَزينَ صارَ سَعيدًا.. وصارَ السَّعيدُ أَسْعَد..

سَلامٌ عَلَيكَ يا رَفيقي..

سَلامٌ عَلَيكَ يا مُحَمَّد..!

 

حسين مهنّا  البُقيعَة / الجَليل 24/7/2021

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .