الشَّارع الإسرائيليُّ يزداد يمينيَّةً من انتخابات لأخرى، ففي الانتخابات الأخيرة نرى أنَّ الأحزاب اليمينيَّة وليس مهمًّا هنا المؤيِّدين لنتانياهو أو المطالِبين بتغييره لأنَّه ليس المشكلة ولكن أحد مظاهر المشكلة، نرى انَّها تشكِّل الأكثريَّة السَّاحقة في الكنيست الإسرائيليِّ، الليكود ٣٠ مقعدًا والأحزاب الدِّينيَّة شاس ويهدوت هتوراه ١٥ مقعدًا، والصَّهيونيَّة الدِّينيَّة بقيادة الكهاني سموتريتش ٧ مقاعد، وبينيت ٧ مقاعد وغدعون سعار ٦ مقاعد وليبرمان ٧ مقاعد وغانتس ٨ مقاعد، أي أنَّ اليمين وصل في الانتخابات الأخيرة إلى٨٠ عضواً ، هذا اذا سلَّمنا أنَّ لبيد وسط!!!
الصُّورة واضحة ولا يهمُّنا من يركِّب الحكومة القادمة إذا نجح أحدٌ في تركيبها. إذا كانت محاربة نهج نتانياهو هي بوصلتنا السِّياسيَّة فعلينا أن نعارض حكومة بديلة برئاسة بينيت أوَّلاً، وما الضَّرر في أن نكون معارضة، لأنَّ التَّنازل عن الثَّوابت تعني أنَّنا ننافس غيرنا في الزَّحف على بطوننا من أجل لا شيئ فنحن لا نريد أن نطبِّق القول “كمطعمةِ الأيتام من كدِّ فرجِها”.
أعجبُ من الذين يعتبرون أيَّ عضو عربيٍّ في الكنيست، ولا يهُمُّ لأيِّ حزب ينتمي، أنَّه يمثلنا، لو كان هذا الأمر معقولاً! لاعتبرنا أعضاء الكنيست عن “را” و”يا” (عكاكيز السُّلطة في خمسينات وستينات القرن المنصرم) شركاء لتوفيق طوبي وماير فلنر الذين خاطروا بحياتهم من أجل شعبَي هذه البلاد ولم يكن طعنُ ماير ڤلنر بعد خطابه في الكنيست بعد نكسة حزيران والحرب العدوانيَّة التي شنَّتها حكومة إسرائيل، التي يعتبرها البعض اليوم يسارًا، لم يكن لأنه عربيٌّ ولكن لأنَّه ضدُّ سياسة الاحتلال وقد صرَّح بموقفه جهارًا حين صوَّت عرب أحزاب السُّلطة آنذاك للمعتدي والمحتل.
لم يكن النِّضال الذي خاضه أبناء شعبنا والقوى الدِّيموقراطيَّة اليهوديَّة وقادتهم في الحزب الشُّيوعيِّ من أجل الحصول على الفتات ولم يرضوا يومًا أن يكونوا أيتامًا على مأدبة اللئام، بل كان همُّهم تغيير المجتمع الإسرائيليِّ، لأنَّنا بدون ذلك حتَّى لو كنَّا عشرين عضوَ كنيست لن نستطيع أن نغيِّر شيئًا، فنحن أقليَّة قوميَّة شِئنا ذلك أن أَبينا، ولن نستطيع جلب المساواة الحقيقيَّة لشعبَي هذه البلاد إلا بإضعاف اليمين من خلال الصُّمود في وجهه لا الزَّحف من أجل رضاه لأنَّ ذلك لن يزيده إلا عنجهيَّة وشوفينيَّة مقيتة.
الأمر الهام في هذا الطَّريق هو عدم التَّذبذب وعدم السَّير فيه ورفض الإغراءات التي يقدمُها اليمين الذي بدا عاريًا في كثير من المواقف وبانت عنصريَّته لكنَّ بعضنا يفعل كما تفعل النَّعامة، فيضعون رؤوسهم في الرَّمل كي لا يروا الحقيقة السَّاطعة مثل نور الشَّمس.
يجب أن يصل شعبا هذه البلاد إلى حقيقة وهي أنَّ الاحتلال وإذلال شعب آخر لن يجلب الأمن لهذه البلاد، وأنَّ الطَّريق الوحيد لإرساء الدِّيموقراطيَّة الحقيقيَّة والأمن والأمان للمواطن الإسرائيليِّ، العربيِّ واليهوديِّ، هو السَّلام الذي يعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، أي الانسحاب من كلِّ المناطق المحتلَّة وإقامة الدَّولة الفلسطينيَّة على حدود العام١٩٦٧وعاصمتها القدس.
إنَّ من يعتقد أنَّنا سنحصل على حقوقنا المدنيَّة من خلال اتِّفاق مع هذا الطرف أو ذاك هو مخطئ وقد اثبتت الأيَّام أنَّ الوعود قبل تشكيل الحكومات تصبح سرابًا بعد تشكيلها والسِّياسيُّ المحنَّك هو من لا ينتظر حتى يتعلَّم على جلده، بل عليه ان يرى الحقيقة بعيني السِّياسيِّ الحقيقيِّ الذي يسعى من أجل أبناء شعبه حقًّا.
إنَّ بناء التَّحالفات مع القوى الدِّيمقراطيَّة اليهوديَّة، حتَّى الصَّهيونيَّة منها، على قواعد مقبولة للطَّرفيْن، على أساس نقاط الجبهة المركزيَّة، متل إنهاء الاحتلال، إقامة الدَّولة الفلسطينيَّة على اساس حدود حزيران عام سبعة وستِّين، من القرن الغابر، وإعطاء المساواة التَّامَّة للجماهير العربيَّة الفلسطينيَّة المتبقية في الوطن، كمواطنين متساوين مع المواطنين اليهود في الدَّولة، الوصول اليها وهي أفضل من التَّحالف مع الأحزاب العربيَّة المستعدَّة لسلخ جلدِها من أجل مكاسب تعتبر هي مكاسب هامَّة للجماهير العربيَّة..
لكن شتَّان..