جميل السلحوت: بدون مؤاخذة-انشقاق القائمة المشتركة لصالح نتنياهو واليمين المتطرّف

حصلت القائمة المشتركة المكوّنة من مختلف الأطياف السّياسيّة العربيّة في الدّاخل الفلسطيني في انتخابات عام 2019 على خمسة عشر مقعدا، وهي أعلى نسبة تحصل عليها قائمة عربيّة في إسرائيل منذ نشوئها، وقد شكّلت القوّة الثّالثة في البرلمان الإسرائيلي “الكنيست”. مع التّذكير بأنّ فلسطينيّي الدّاخل يشكّلون ما نسبته 20% من المواطنين الإسرائيليّين. وهذه القائمة التي تمثّل أكبر شريحة لفلسطينيّي الدّاخل الذين عضّوا على تراب وطنهم بالنّواجذ بعد أن أصبحوا أقلّيّة قوميّة في وطنهم بفعل طغيان الإمبريالية والصّهيونيّة العالميّة، بعد نكبة الشّعب الفلسطينيّ الكبرى في العام 1948، وما تمخّض عنها من تهجير 950 ألف فلسطيني حسب إحصائيّات الأمم المتّحدة.

والقائمة المشتركة شكّلت شوكة في حلق الأحزاب الصّهيونيّة وخاصّة اليمين المتطرّف الذي يقوده نتنياهو وحلفاؤه، فعملوا على تفكيكها، لأنّ تشتيت صوت النّاخب العربيّ سيصبّ حتما في صالح حزب الليكود الذي يتزعّمه نتنياهو، والذي سنّ قانون “القوميّ” العنصري، واعتبار إسرائيل دولة قوميّة لليهود، وليس لجميع مواطنيها! وقد أتت جهود تفكيك القائمة المشتركة أكلها بانشقاق “القائمة العربيّة الموحّدة”، التي يتزعّمها الدّكتور منصور عباس نائب رئيس الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) في فلسطين الداخل منذ العام 2010، وظهور ما يسمّى أحزاب عربيّة أخرى لن تصل إلى نسبة الحسم، ولن تصل إلى الكنيست، لكنّها حتما ستشتّت الأصوات العربيّة، لصالح الأحزاب الصّهيونيّة، وذلك تحت ذرائع مختلفة ظاهر شعاراتها عكس حقيقة دواخلها. فهل ستحصل هذه القوى وهذه الأحزاب على مكاسب للجمهور العربي كما تزعم؟ والإجابة على هذا السّؤال لا تحتاج إلى كثير من الذّكاء، فمجمل سياسات الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة لم يكن يوما في صالح الموطنين العرب، فمثلا أبناء الطّائفة الدّرزيّة العربيّة الذين فرض عليهم التّجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي، وخسروا مئات وآلاف الضّحايا لم تشفع لهم خسائرهم بحماية أراضيهم من المصادرة ومن الاستيطان، رغم شعار “وحدة الدّم” الذي كان يتغنّى به القادة الإسرائيليّون، ولم يحصل من تجنّدوا على المساواة في أيّ مجال من مجالات الحياة، وكذلك حال بعض أبناء بعض العشائر البدويّة الذين خدموا في الجيش الإسرائيليّ.

ولا غرابة في انشقاق قائمة تندرج فيها “الحركة الإسلاميّة-الشّق الجنوبي” عن القائمة المشتركة، فتاريخ حركات الإسلام السّياسيّ لها تفكيرها الخاصّ والذي لا يمكن تبريره أو فهمه، ولو عدنا قليلا إلى التّاريخ، سنجد أنّ قوى الإسلام السّياسي تجنّدت لخدمة الإمبرياليّة العالميّة زمن الحرب الباردة بين المعسكر الرّأسمالي الإمبريالي من جهة وبين مجموعة الدّول الاشتراكية من جهة أخرى، وتفاخرت الحركات الإسلاميّة بوصف الدّول الإمبرياليّة لها بأنّها “السّور الواقي من خطر الشّيوعيّة”! علما أنّ الدّول الاشتراكية وفي مقدّمتها الاتحاد السّوفييتي كانت تساعد الدّول العربيّة والإسلاميّة في مجالات مختلفة، ومنها الجانب العسكريّ؛ كي تتحرّر من سطوة الإمبرياليّة. وعندما انهار الاتّحاد السّوفييتي ومجموعة الدّول الاشتراكية في بداية تسعينات القرن العشرين، بحثت الإمبرياليّة عن عدوّ محتمل لها، فوجدت ضالّتها بالإسلام والمسلمين، وجنّدت طواحين إعلامها الهائلة لشيطنتهم، وتحريض الرّأي العامّ العالميّ ضدّهم، لكنّ غالبيّة قوى الإسلام السّياسيّ لم تتّعظ من هذا التّحوّل، وواصلت تحالفاتها مع أمريكا وغيرها؛ لتنفيذ سياسات هذه الدّول في المنطقة، بل وارتضت أن تقوم بحروب أمريكا بالنّيابة، فشاركت ولا تزال في حروب أمريكا في المنطقة؛ لتطبيق المشروع الأمريكيّ “الشّرق الأوسط الجديد”، الذي يسعى إلى إعادة تقسيم الشّرق الأوسط لدويلات طائفيّة متناحرة، ولتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، وهذا ما جرى ويجري حتّى يومنا هذا في دول مثل “العراق، سوريّا، الجزائر، ليبيا، اليمن، الصّومال، لبنان، مصر خصوصا في صحراء سيناء وغيرها”، وكيف يمكن تفسير تأييد حزب العدالة الإسلامي والمنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين في المغرب لتطبيع العلاقات مع اسرائيل. ولم يكلّف مؤيّدو بعض قوى الإسلام السّياسي أنفسهم بمجرّد التّفكير حول ظهور قوى التّطرّف والإرهاب التي تتستّر بالإسلام مثل “القاعدة، داعش، جبهة النّصرة وأخواتها”، فمن أسّس هذه الحركات؟ ومن موّلها وسلّحها ودرّبها؟ ومن هم ضحايا حروبها؟ وما هي البلدان التي دمّروها؟ ومن المستفيد من هذه الحروب؟ وإذا فكّروا بها فما هي النّتائج التي استخلصوها؟ وهل كان ابن خلدون في مقدّمته على خطأ عندما قال بما معناه” إذا أردت إثارة مشكلة لا نهاية لها تستّر بالدّين” والحديث يطول.

2-2-2021

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .