“أمواج الكلام” هو عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن دار “الحديث” للإعلام والنشر في عسفيا، للصديق والكاتب الصحفي زياد شليوط، من مدينة شفاعمرو. وهو من جيل الثمانينات، عرفناه كاتبًا جادًا وملتزمًا بقضايا وهموم شعبه ووطنه ومجتمعه، غزير العطاء، واسع الثقافة والمعرفة، سباح ماهر في بحر اللغة، وذلك من خلال مقالاته وكتاباته المتنوعة في الشعر والقصة والأدب والنقد والتراجم والفكر والسياسة، التي نشرت في مختلف الصحف والمجلات والدوريات الثقافية الصادرة في البلاد، كالاتحاد والغد والجديد والتقدم والشرق والأفق والأخبار وكل العرب وفصل المقال والصنارة وغيرها، وفي عدد من مواقع الشبكة العنكبوتية، المحلية والعربية والعالمية.
وهذا هو المؤلف السادس له بعد: “عبد الناصر بعيون فلسطينية، عجايب يا صندوق، الجميلة، البطريرك ميشيل صباح للكنيسة والإنسان والوطن، والجيد.. السيء، الأسوأ”.
يقع كتاب “أمواج الكلام” في 78 صفحة من الحجم الصغير، وجاء بطباعة أنيقة، وصممت غلافه ابنته مها، ويستهله بإهداء مُعبر عن مواقفه الفكرية يقول فيه:” إلى من يؤمن بحرية الكلمة ويتقبل الرأي الآخر، إلى من يحترم ذاته ويقدر الآخر على علاّته، إلى من ينبذ العنف ويؤمن بالحوار، إلى من يحب الحياة بحلوها ومرّها، إلى كلّ إنسان متفائل ومتسامح”.
يحوي الكتاب في أحشائه نصوصًا نثرية وخواطر فكر وشذرات أدبية وأراء نقدية ومواقف سياسية واجتماعية وطروحات فكرية وانتقادات لمسلكيات وممارسات وظواهر سلبية يعاني منها مجتمعنا وتواجهها جماهير شعبنا في حياتها اليومية والعادية، وفي صلبها ظاهرة العنف المتفاقم والمستشري، داعيًا إلى نبذها وضرورة الإصلاح وتوعية الشباب والأجيال الجديدة. كما ويعري السياسة العنصرية الممارسة ضد شعبنا، ويكشف زيف “واحة الديمقراطية” التي تتبجح وتتغنى بها المؤسسة الصهيونية الحاكمة، ويتطرق لقانون القومية العنصري في مداخلته “شكرًا دولة اليهود”.
وفي “مقامة الاعتراف” يتناول شليوط أحوالنا الاجتماعية ويعرض لمظاهر النفاق والتناحر الطائفي والحمائلي والعشائري والقبلي الذي يسم مجتمعنا، فيقول بكل المصداقية والشفافية والواقعية: “آن لنا أن نعترف اعترافًا جماعيًا أننا فشلنا. فشلنا في تربيتنا. فشلنا في تعايشنا. فشلنا في جوارنا. فشلنا في حوارنا. فشلنا في تعاملنا. فشلنا في حياتنا. عشنا في كذبة كبيرة اختلقناها وصدقناها، ونمنا على خديعة أمجادها. قلنا أننا شعب واحد، مجتمع موحد، جيران متحابون، أخوة متسامحون. أنشدنا دون وعي “قد تآخينا هلالا وصليبا”، ونحن نمارس الابتعاد لا التقريبا. وهتفنا بلا فهم “وحدة وحدة وطنية.. اسلام، دروز ومسيحية”، فاذا نحن مجموعات طائفية، حمائلية، عشائرية وقبلية. نعم نحن نجيد كتابة البيانات المحشوة بالشعارات والكلام الفصيح والاقتباسات. نعم، نحن نعتلي المنابر فنشرّق ونغرّب، ولا نترك موضوعًا لا نتطرق إليه وكأننا واضعو موسوعات. نعم، نحن نتقابل فيسبقنا السلام، ويأخذنا الكلام، ونودّع بالسخرية و”المقلتات”. نُقبِلُ في المناسبات، فتعلو وجوهنا الابتسامات، ونُدبِرُ عن بعض، فتبدأ الوشوشات. عندنا أحزاب وقيادات، بارعة في إصدار البيانات. لدينا لجان وجمعيات ومؤسسات، لا تعد ولا تحصى لكنها قليلة البركات. نجامل، ننافق، نمالق، كل ذلك باسم القيم والسلوكيات”.
وفي مقالة أخرى يطرح زياد شليوط قضية الانتماء بين الرياء والوفاء، مشيرًا ومؤكدًا على أن انتمائه لبلده لا تفرضه عليه الظروف الخارجية والاهواء الآنية والمصالح الفردية، أنما ينبع من قناعة داخلية وإيمان مطلق واختيار واعٍ، وليس إرضاءً لذاته المنسجمة مع ذوات الآخرين، أبناء بلده.
وفي “خير الكلام” يقدم لنا طبقًا من اللوحات الأدبية والخواطر واللمحات والمقتطفات والشذرات والأفكار والأقوال الجميلة واللطيفة، التي تعكس مدى وعيه وثقافته ورقي ذوقه وتعبر عن رؤاه الفكرية ونظرته الثاقبة للأشياء.
وفي كثير من نصوصه النثرية ومقالاته القصيرة المكثفة يدعو شليوط إلى أهمية التعاضد والتكافل المجتمعي والسلم الأهلي، وضرورة تأصيل الوعي الثقافي والفكري والسياسي، ونبذ العنف ونشر ثقافة الحوار والتسامح والمحبة الإنسانية، والتمسك بالأخلاق النبيلة والقيم الجميلة التي كانت سائدة في مجتمعنا، واصبحنا نفتقد لها في أيامنا هذه في عصر التكنولوجيا والعولمة والشاشات واللوحات الذكية.
وغني عن القول، أن زياد شليوط استقى موضوعاته ومضامين ومادة كتابه من صميم واقعنا المتغير والمتبدل، بأحداثه وقيمه ومفاهيمه وعاداته وطقوسه ومعاييره الاجتماعية.
وهو يعتمد في مقالاته القصيرة ونصوصه النثرية أسلوب السخرية والهزل، بهدف تعرية واقعنا الاجتماعي والسياسي، وهو ما يميز ويسم الكثير من كتاباته.
في “أمواج الكلام” يثبت شليوط أنه كاتب يعيش الوجع والهم اليومي، وبارع في التقاط المشاهد الاجتماعية والسياسية، وكشف الجوانب والمظاهر السلبية التي تجتاح مجتمعنا، والتعبير عن ذلك بلغة أدبية وصحفية رشيقة ومهذبة واحساس صادق عفوي، وفكر متنور تقدمي معاصر، يصل إلى أعماق القارئ والمتلقي.
نهنئ الصديق الكاتب الصحفي الأستاذ زياد شليوط، والتمنيات له بالمزيد من العطاء والإبداع في خدمة ثقافتنا وحركتنا الأدبية الفلسطينية في هذه الديار، مع خالص التحيات.