اقتحام أنصار ترامب للكونغرس الأمريكي يوم 6 يناير الحالي احتجاجا على نتائج انتخابات الرّئاسة الأمريكيّة التي فشل فيها ترامب، ليس أمرا عفويّا أو عابرا، فقد جاء بتحريض من ترامب نفسه من خلال الكلمة التّحريضيّة التي ألقاها أمام أتباعه قبل عمليّة الإقتحام بقليل. ومع عدم المبالغة حول ما ستؤول إليه الأوضاع في أمريكا بسبب عدم اعتراف ترامب بنتائج الإنتخابات وتمسّكه بمقعد الرّئاسة، إلا أنّ ذلك يعطي إشارات إلى أزمة النّظام الأمريكيّ بشكل خاصّ، وأزمة الأنظمة الرّأسماليّة بشكل عام. كما يعطي إشارات على طبيعة “الدّيموقراطيّة” الرّأسماليّة! فوصول ترامب إلى سدّة الحكم في أمريكا عام 2016 بانتخابات ديموقراطيّة لا يختلف عن الطريقة التي وصلت فيها النّازيّة برئاسة هتلر عام 1933 إلى سدّة الحكم في ألمانيا.وإذا نجح هتلر بجنونه في تدمير العالم بما في ذلك ألمانيا نفسها بعقليّته العنصريّة وزعمه بسيادة الجنس الآري، فإنّ ترامب سعى بنشاط دؤوب لتدمير القانون الدّوليّ، وفي الخروج على قرارات الشّرعيّة الدّوليّة، وفي الخروج عن العرف الدّبلوماسيّ والعلاقات التّجاريّة بين الدّول، وفي خلخلة السّلم العالميّ، وفي ابتزاز الدّول والشّعوب، ومحاولاته لتجيير السّياسة الأمريكيّة لمصالحه ومصالح المحيطين به ماليّا، فإنّه قد نجح أيضا في خلخلة السّلم الأهلي داخل أمريكا نفسها، وكرّس سياسة التّفرقة العنصريّة بين مكوّنات الشّعب الأمريكيّ، وهو يتخبّط في أيّامه الرّئاسيّة الأخيرة كالضّبع الجريح، وقد يقدم على مغامرات عسكريّة ستزعزع السّلم العالميّ. وستلحق الضّرر بأمريكا نفسها قبل غيرها. فالرّجل الذي تنقصه الحنكة السّياسيّة يتعامل مع شعبه ومع العالم من خلال مصالحه الشّخصيّة تماما مثلما يتعامل مع شركاته الإستثماريّة وحرصه على جني الأرباح الماليّة، فتكديس المليارات عنده غاية لا وسيلة. وستحتاج أمريكا نفسها لسنوات لإصلاح ما أفسده ترامب، كما ستحتاج إدارة خليفته بايدن إلى جهود كبيرة لإصلاح علاقاتها مع الدّول الأخرى.
وفي المحصّلة فإنّ جنون ترامب وتمسّكه بسدّة الرّئاسة لن تدوم، فأمريكا دولة يحكمها القانون، وحسب القانون الأمريكيّ ستنتهي رئاسته في الساعة الثانية عشرة من ليل 20 يناير الحالي، وإن لم يخرج من البيت الأبيض بإرادته سيخرجه الأمن الأمريكي بالقوّة، وسيخضع بعدها لتحقيقات ومحاكمات على المخالفات التي ارتكبها ستنهي دوره إلى الأبد. وستثبت مرحلة حكم ترامب من جديد أنّ اليمين المتطرّف يعادي في المحصّلة نفسه أكثر من عدائه لأعدائه الحقيقيّين.
7 يناير 2021