سميح محسن * *
في روايته الجديدة (المطلقة) يقدّم الكاتب جميل السلحوت ثلاثة نماذج للمرأة المطلقة، النموذج الأول (جمانة/أسامة)، والنموذج الثاني (صابرين/يونس)، وأما النموذج الثالث فهو (عائشة/زياد).
تبدأ الرواية بعودة جمانة وزوجها من السعودية لقضاء إجازة الصيف في مدينة القدس بعد قضائهما عامين هناك حيث يعمل مدرسا. وبعد عودتها تذهب إلى بيت عائلتها، وبصحبتها طفلها سعيد، وتخبر والديها عن نيتها بالانفصال عن زوجها أسامه كونه رجلا تكفيريّا متزمّتا – كما وصفته -. كان أسامة قد فرض عليها نمطا حياتيا صعبا حيث صادر حريتها بشكل كامل منطلقا من معتقداته الدينية المتشددة، إلى درجة لم تعد قادرة عندها مواصلة حياتها معه، لذا طلبت الطلاق منه، ورفعت عليه قضية خُلْعٍ، وتحقق لها ذلك بعد حين.
فور علم والدة أسامة بذلك، وهي امرأة متسلطة، شرعت بالبحث عن عروس له، واقترحت عليه الزواج إمّا من ابنة خالته، وإمّا من (صابرين) ابنة عمه عزّ الدين، وهي امرأة مطلقة من زوجها يونس الذي وصفته بأنّه “عاهر” ويشتري النساء بماله. وكانت قصتها النموذج الثاني الذي يقدمه الكاتب. وأمّا النموذج الثالث فقصة عائشة التي كانت متزوجة من زياد الذي اتهمها بشرفها، وأنها فقدت عذريتها قبل زواجهما إلى أن تزوجت من الأسير المحرر فارس محمد مسعود، وعندما ذهبت إلى مستشفى المقاصد للولادة اكتشفت الطبيبة أميرة عذريتها وقامت بإزالة بكارتها المطّاطية عند مخاضها بابنها البكر من زوجها الثّاني؛ لتكون شاهدة على عفّتها وبراءتها، ومدى الظّلم الذي لحق بها في زواجها الأول، وأدى إلى طلاقها.
في سرده لهذه الحالات يتناول الكاتب وجهة نظر المجتمع من المرأة المطلقة، ومدى الظلم الذي يوقَعُ عليها، وكيف تعاملت المطلقات مع حالاتهن. ذهبت جمانة لإكمال تعليمها لنيل درجة الماجستير في الشريعة رغم أن تخصصها في البكالوريوس كان في اللغة العربية، وكأنها أرادت أن تقدّم نموذجا مختلفا في فهم الدين وتفسيره. وأمّا صابرين التي حظيت بالمال من طليقها فقد تقدّم منها خمسة مسنين طالبين الزّواج منها، إلا أنّها رفضتهم بعد إسماعهم سيلا من شتائمها القبيحة، بينما تزوّجت عائشة من أسير محرّر وأنجبت منه ثلاثة أولاد قبل وفاته بمرض السرطان.
وإن كان المجتمع يحمل وجهة نظر سلبيّة للمرأة المطلقة، إلا أن جمانة تزوّجت من مهندس يكبرها بثلاث سنوات، وتعمّد الكاتب تقديمه بصورة حضاريّة من خلال احتضانه وعنايته بطفلها سعيد، بينما تزوّجت صابرين من ابن عمّها أسامة في توقيت اختارته والدته؛ ليتزامن مع ساعة زواج طليقته جمانة بالمهندس رمزي، وزواج شقيقتها الصّيدلانية تغريد من شقيقه الطبيب فريد، في حين رفضت عائشة الزّواج من طليقها زياد الذي ذهب ووالده لطلب يدها بعد انتهاء عدّتها الشرعية، واعتذارهم عن ظلمهم لها فأجابت والده بقولها: ” لو كان ابنك زياد حذاء لما انتعلته”، وبهذا يكون الكاتب قد انتصر لها.
هناك جوانب أخرى في رواية (المطلقة) كالحديث عن مدينة القدس وحالها تحت الاحتلال، وعن تسلط أم أسامة وتحكّمها بأفراد عائلتها، ومحاولاتها الانتقام من جمانة، وعن دور الطبيبة أميرة في تبرأة ساحة عائشة، ومحاولتها مساعدة زوجها الثاني لعلاجه في الأردن، ومنع سلطات الاحتلال له من السّفر، ومن ثمّة منعه من العودة إلى مستشفى “المطلع” في القدس حيث كان يعالّج قبل محاولته السفر، وكذلك عن دورها في ترتيب زواج جمانة وتغريد من الشّقيقين فريد ورمزي، وعن المشعوذين وانقياد أمّ أسامة لهم حيث أوقعوها في الخطيئة. وعند الحديث عن (فارس) لم يغفل الكاتب الحديث عن حالة التّضامن القائمة بين الفلسطينيين من أبناء الضّفة الغربية، وأبناء القدس، وبالطبع تكون حالة التّضامن مع فلسطينيي قطاع غزّة أعمق لو كانوا جزءًا من السرد.
استخدم الكاتب جميل السلحوت النصوص الدّينية، سواء من (القرآن الكريم)، أو من الأحاديث النبوية، أو أقوال الأئمة والفقهاء في قضايا الزواج والطلاق، وضرورة حسن معاشرة الأزواج، بشكل لافت، وهذا يعكس الثقافة التي يمتلكها في هذا المجال. لقد وردت تلك الأحاديث على لسان جمانة مثلا، وعلى ألسنة رجال الإصلاح، وبعضهم من رجال الدّين، أو من غيرهم، وكانّه أراد بذلك تقديم ما يشبه الدّروس المتعلقة بهذه القضيّة لتثقيف القارئ بها، وكأنّي أراه قد أثقل على النّص في ذلك. وكوني أعرف الشيخ جميل السلحوت عن قرب، ومنذ ما يقارب ثلاثة عقود، أتساءل: لماذا لم يوظِّف أيضا ما جاءت به الثّقافات الحديثة حول حقوق المرأة، وخاصّة أنّ للمرأة حقّ الاختيار، وهذا الحق لا يتعارض من الحقّ الذي منتحه إيّاه الشّريعة الإسلاميّة؟
انتصار الكاتب لحقوق المرأة كان واضحا وجليّا في الرّواية، وهنا أتحدّث عن المرأة المظلومة وليس الظالمة، حيث قدَّم المرأة الظالمة بصورة مختلفة، كما حال (أمّ أسامة) التي قادتها أفعالها الشّرّيرة إلى الوقوع في الخطيئة مع أحد المشعوذين، وفي ذلك إدانة لهما في وقت واحد.