الذّاكرة الفلسطينيّة في روايتين بقلم: رفيقة عثمان أبوغوش

تعدّدت الروايات الذاكرة  الفلسطينيّة الجماعيّة، إنّ الروايات الفلسطينيّة بحاجة ماسّة إلى تدوينها وأرشفتها؛ لكي تظل محفوظةً  للأجيال اللاحقة تكشف الذي لم تكشفه كتب التاريخ في كافّة اللّغات؛ وخاصّةً المعاناة والآلام التي واجهها الفلسطينيّون أثناء النكبة عام 1948، وما بعد الرّحيل؛ من تهجير وتشريد وشتات على أيدي العصابات الصهيونيّة في بقاع العالم؛ ليجدوا أنفسهم في مخيّمات الشّتات، الّتي حصرتهم وحصرت معهم آمالهم وآلامهم حتّى يومنا هذا.

تسنّى لي في هذا المضمار قراءة ثلاث روايات لروائيين مختلفين من بلدان مختلفة؛ مثل: رواية “باب الشّمس” 1989 للروائي اللبناني إلياس خوري، والرواية الثّانية ” الطّنطوريّة” 2010 للكاتبة المصريّة رضوى عاشور؛ بينما الرواية الثّالثة “خريف يطاول الشّمس” للكاتبة الفلسطينيّة نزهة ابوغوش2012.

في الروايات الثلاث السابقة، أبدع الكُتّاب في تصوير معاناة وألم الإنسان الفلسطيني، في تلك المحنة العصيبة أثناء وخلال الهجرة وفي الشتات، بتصوير الملحمة الإنسانيّة الدراميّة بدقّة متناهية.

لا شك بأنّ كل رواية من الرّوايات تناولت مضمون المعاناة والنكبة في مواقع جغرافيّة فلسطينيّة مختلفة، كتاب باب الشمس تناول سرد روايته لمنطقة شمالي فلسطين بقرية عين الزّيتون التي تمّ تدميرها كاملا، ومن ثمّ اللجوء  لقرية دير الأسد؛ ورواية الطنطوريّة تركّزت الهجرة من قرية الطنطورة القائمة على الساحل الفلسطيني؛ بينما رواية خريف يُطاول الشّمس، دارت أحداثها في ثلاث قرى متاخمة لمدينة القدس، أبوغوش، وقرية لفتا وقرية صوبا.

. أودّ  أن أظهر  في مقالتي  هذه أوجه التشابه والاختلاف بين الروايتين، للكاتبتين رضوى عاشور ونزهة أبوغوش، في بعض النقاط الأساسيّة التي تطرّقتا إليها في سرد الأحداث حول الذّاكرة الفلسطينيّة من منظور نسوي:

في رواية الطنطوريّة، لجأ الفلسطينيّون المهاجرون من شمالي فلسطين إلى مخيّمات الشّتات في لبنان والدول العربيّة الأخرى، نظرًا لقرب موقعهم من البحر حيث شُرّعت لهم السّفن على الشّاطئ لنقلهم  وتهجيرهم؛ بينما المهاجرون  من مناطق القدس، تمّ ترحليهم برّا، إمّا نقلّا بالشّاحنات ورميهم على حدود الأراضي الأردنيّة، أو مشيًا على الأقدام، بعد ملاحقتهم من قِبل المحتلّ،  وإطلاق الرّصاص  على من حاول العودة ، فمنهّم من لقي حتفه ومنهم من كتبت له النّجاة؛  فلجأوا إلى مخيّمات بيت لحم وبيت جالا وقضاء رام الله، والأردن حيث استقرّوا في المخيّمات، مثل مخيّم الوحدات والزّرقاء وغيرها.  

في كلتا الروايتين تناولت الكاتبتان في سردهما قصّة الرحيل والتهجير واقتلاع المواطنين الفلسطينيين من بيوتهم عنوةً من قِبل العصابات الصهيّونيّة، واحتلال البلاد؛ لتوطين اليهود القادمين من أوروبا وغيرها. كانت الهجرة قسريّة وليست طوعيّة كما تدّعي رواياتهم الكاذبة.

سردت الكاتبة رضوى عاشور أحداث روايتها خلال النكبة  عام 1948 وما بعدها لغاية سنوات التسعينات، حيث صوّرت الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، للفلسطينيين اللّاجئين في الشّتات وخاصّةً في لبنان، وتعمّقت في تصوير المآسي عند اجتياح لبنان من قِبل الإسرائيليين، والهجوم على صبرا وشاتيلا، وما ترتّب على هذا الاجتياح من دمار، وقتل وتشتّت العائلات الفلسطينيّة من جديد في مناطق مختلفة؛ كمّا توسّع المكان كذلك توسّع الزّمان.

من جهة أخرى، تناولت الكاتبة نزهة أبوغوش، سرد أحداث الرواية وانحصارها خلال عام 1948 حيث انحصرت الأحداث من يوم إعلان التهجير، ولغاية إعلان قيام دولة الاحتلال؛ حيث انضبط الزمان والمكان معًا. لا شك بأنّ الكاتبتين تناولتا عنصر المكان الذي مثّل عنصرًا جوهريًّا في السّرد، والعودة تعني المكان وهو سيّد الموقف، وتعني لهم المكان الذي يسكن قلب وعقل كل فلسطيني طفلا كان أم شيخًا.

في كلتا الروايتين، شكّلت العودة حلمًا وأمنيةً في قلب وعقل كل فلسطيني في الشّتات. في رواية عاشور، تمثّلت العودة بحلم لم يتحقّق، وبرز رمز العودة عندما أهدت البطلة رقيّة سلسلة مكتوبُ عليها “الطنطوريّة” لحفيدتها من ابنها حسن المُتزوّج من امرأة فلسطينيّة، تسكن مدينة اللد في فلسطين التاريخيّة، عندما كان لقاء جمعيّة المهجّرين في بيروت، عند الحدود الفلسطينيّة اللبنانيّة.

في رواية أبوغوش، تمثّلت العودة، لدى بعض المُهجّرين بالتسلّل خلسةً من الجبال لقراهم، فمنهم من فقد حياته أثناء العودة، ومنهم من نجى بروحه بأعجوبة، وما زالت العودة حلمًا لدى المهجّرين في أرجاء العالم وتمثّلت العودة في الرّواية في اختفاء البطل علي في تابوت الموتى؛ من أجل الحياة.

أتوقّف عند المقارنة بين عناوين الروايتين، أطلق عنوان رواية الطنطوريّة، نسبةً للبطلة رقيّة المُهجّرة من قرية الطنطورة، بينما رواية خريف يُطاوِل الشّمس، عبارة عن رمز للمعاناة التي واجهها الفلسطينيّون المُهجّرون والتي تكاد تصل الّشمس، كنايةً عن مدى شدّة المعاناة والألم. تمّ اهداء الروائيّة رضوى عاشور روايتها الطّنطوريّة لزوجها الشّاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، بينما قدّمت الروائيّة نزهة أبوغوش الإهداء إلى بطلة الرواية وردة، وكافّة أبطال الرّواية. لو تمعّنّا بالإهداء نلحظ الفرق ما بين الإهداء الخاص والعام، من حيث النظرة الفرديّة والنّظرة الجماعيّة.

من الجدير ذكره، بأنَ كلتا الروايتين، اهتمّتا في منح أدوار البطولة للنساء، ففي رواية الطنطوريّة كانت رُقيّة هي بطلة وقد رويت الأحداث على لسانها، مع بعض التّدخّل للكاتبة؛ بينما في رواية خريف يُطاول الشّمس، تعدّدت الشخصيّات النسائيّة،  ومُنحت دور البطولة لامرأة من كل قرية روت الأحداث على لسانها دون تدخّل الكاتبة؛ لذلك نرى أيضا أن شخصيّات الرّواية تتحرّك لوحدها دون عناء بشكل تلقائي وسلس. كانت وردة هي بطلة الراوية في سرد أحداث قرية أبوغوش، ورفيقة البطلة في قرية لفتا، وربيعة بطلة أحداث قرية صوبا.

صوّرت الكاتبتان المرأة الفلسطينيّة في صورة مُشرّفة، تتحلّى بالصّبر، والتضحية والعطاء، والمشاركة في المسؤوليّة في تربية الأبناء، أثناء غياب الأزواج بانشغالهم في الدّفاع عن قراهم، أو نفيهم إلى أماكن بعيدة عن أسرهم. في بعض الروايات تحدّثت النّساء عن عزل الرّجال عن النساء أثناء ترحيلهم، ونفيهم إلى قرى بعيدة عن قراهم الأصليّة، كذلك نقل النساء إلى أماكن مختلفة. كما وتحمّلت النساء أعباء ومسؤوليّة إعالة الأبناء في ظروف صعبة وشاقّة أثناء الحرب في ظل غياب الأزواج عن عائلاتهم والحياة في المخيّمات، هذا إلى جانب مشاركتهن في الكفاح إلى جانب الرّجال في المخيّمات والمستشفيات (في قصّة الطنطوريّة) ومساعدة الثّوار في شراء السلاح؛ حيث بعن ذهبهن ( في قصة حريف يطاول الشّمس في بلدة صوبا).

من وجهة نظري الخاصّة، يبدو لي بأنّ الكاتبتين تناولتا البطولة النسائيّة؛ نظرًا لكونهما نساء، تعاطفتا مع بنات جنسهن من النساء، خاصّةً اللواتي تحدّثن بإسهاب عن معاناتهنّ بتفاصيل دقيقة مع مشاعر مؤلمة لامست مشاعر الروائيّتين، وقمن بنقل هذه الأحاسيس بصدق وشفافية على ألسنتهن.

من خلال تجربتي الخاصّة، أثناء إجراء بحث حول “ثلاث أمهات وثلاث بنات – قصص نساء فلسطينيّات” 2000 باللّغة الإنجليزيّة الذي نُشر في جامعة كاليفورنا؛ لاحظت أثناء المقابلات التي أجريتها، بأنّ النساء الفلسطينيّات أبدعن بالحديث عن أحداث النكبة بتفاصيل دقيقة وبدقّة متناهية لدرجة التماهي مع الأحداث المُسردة،  خلافًا لذلك لم تكن هذه القدرة متوفّرة لدى الرّجال الفلسطينيين.

تبدو روح الوطنيّة في الروايتين ظاهرة، لكن السياسة لم تأخذ حيّزًا كافيًا، دون الخوض في سياسة الدول العربيّة المحيطة مثلا وسياسات الدّول الاوروبيّة  والولايات المتّحدة وردود فعلها حول النكبة، بل التركيز الأكثر كان حول الأحداث الاجتماعيّة، وتفصيل إنعكاسات النكبة على الإنسان الفلسطيني  اجتماعيا وحضاريّا ونفسيّا؛ ممّا يُعزّر انحياز الكاتبتين للقضيّة الفلسطينيّة، خاصّةً في المواقف الخياليّة المُبتكرة.

من المُلاحظ في كلتا الروايتين أنّه ذُكرت معلومات مشابهة نحو تاريخ أسباب الهزيمة في التخاذل، وكيفيّة دعم الإنجليز لليهود وتمهيد الظروف للاحتلال، وتقصير الدّول العربيّة في المساعدات والدّعم في السّلاح؛ واستخدام أساليب الترهيب وتخويف المواطنين الأصليين من قبل قوّة المُحتل، وترويج قصص الاعتداءات على شرف النساء؛  نفهم من ذلك بأنّ الأحداث التّاريخية الحقيقيّة قد ذكرت، بينما اختلفت الكاتبتان في اظهار العناصر الأُخرى كل حسب قدرتها الابداعيّة في تصوير الحدث المطعّم بالخيال وعاطفة كل منهما .

اهتمّت الرّوايتان في تسجيل المواقف الاجتماعيّة، والتي تجلّت في تسجيل الأغاني الشعبيّة في الأفراح والمناسبات السّعيدة، والأهازيج، والمهاهاة والأمثلة الشعبيّة الفلسطينيّة.

كما ورد في رواية “الطنطوريّة” صفحة 14  “سبّل عيونُه ومد ايدُه يحنّونه – غزال صغيّر وكيف أهله يبيعونهُ – يا امي يا امي عبّيلي مخدّاتي – وطْلْعتْ مِ الدّار ما ودّعتْ خيّاتي.” . كذلك الغناء للعريس أثناء الزّفّة كما ورد صفحة 10 ” طلع الزّين من الحمّام … الله واسم الله عليه . طلع الزّين من الحمّام .. الله واسم الله عليه”. كذلك غناء النساء أثناء انهماكهن بتحضير الطعام، ” قولوا لأمه تفرح وتتهنّا – ترش الوسايِد بالعُطر والحنّا – والفرح إلنا والعرسان تتهنّا – والدّار داري والبيوت بيوتي – واحنا خطبنا يا عدوِّي موتي”.

بينما في رواية خريف يُطاول الشّمس، وردت أغاني مماثلة، حسب تردّدها في الأعراس الفلسطينيّة، خاصّةً في منطقة القدس، كما ورد صفحة 72 “يوم اطلعنا ع الزّفة  رشّينا العطر ع الطربوش – تستاهل يا حسن   والتكسي ع باب الحوش  – يوم اطلعنا ع الزّفة  رشّينا العطر ع العقال .. تستاهل يا عريس  والتكسي ع باب الدّار “، كذلك الأهازيج صفحة 176 ” ” هي يا ام الزّمة لمين زمّيتي  زمّيت لعلي وقميصه زيتي” هي يا ام الزّمة لمين بتزمّي   زميت لعلي وقميصه الزّيتي”. كذلك أثناء زفّة العريس صفحة 178 ” عريسنا زين الشباب  زين الشّباب عريسنا  عريسنا شمس اضحى …    طلب عروس وما استحى   — عريسنا زين الشّباب زين الشّباب عريسنا – عريسنا عنتر عبس … عنتر عبس عريسنا”.

هذه الأغاني والأهازيج، تُعتبر سجّلا للتّراث الفلسطيني محفوظًا تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل؛ ممّا يُحسب لصالح الروايتين.

استخدمت الكاتبتان التّناص في الأشعار الفلسطينيّة، التي لها علاقة بالانتماء للوطن، خاصّةً أشعار حافظ ابراهيم  في رواية أبو غوش: ” صفحة 176 ” لم يبقَ شيء من الدنيا بأيدينا   إلا بقيّة دمع في مآقينا

كنّا قلادة جيد الدّهر فانفرطت …  في يمين العلا كنّا رياحينا

كانت منازلنا في العز شامخة …  لا تشرق الشّمس إلا في مغانينا .” .

بينما استخدمت الكاتبة عاشور التّناص للشاعر إبراهيم طوقان : قصيدة “موطني ”

ظهرت الأمثال الشعبيّة في رواية خريف يُطاول الشّمس، بطريقة عفويّة على لسان بطلات وأبطال الرّواية، ممّا أضافت للنص الرّوائي مصداقيّة  متناسقة مع الأحداث وبمكانها المُناسب؛ بينما قلّت الأمثال الشعبيّة في رواية الطنطوريّة. تفسيري الشّخصي لهذا الموضوع، ربّما لكون الكاتبة أبوغوش فلسطينية الأصل تتعايش مع الأحداث وتحيا في نفس الحضارة والتراث الفلسطيني، والكاتبة عاشور من أصل مصريّ.

من النماذج الواردة للأمثلة الشعبيّة الفلسطينيّة في رواية خريف يُطاول الشّمس، كما ورد صفحة 88 “الكف لا يُلاطم مخرز”، ” الدّار دار أبونا، وأجوا الغُرب يِطحونا” صفحة 225، ” لم نطحن من الِمد عرام” صفحة 110، ” المكتوب ما منُّه مهروب، والمقدّر ما عنّه محذّر” صفحة 188، ” إن هدر الرّعد ارمِ ولا تندم، ولا تظل بلاش وتندم” صفحة 92، : “ان كان عدوّك نملة، لا تنم له” صفحة 46.

كلتا الروايتين ركّزتا على الحنين للماضي (النوسطالجيا) أثناء الوجود في الشّتات والبعد عن الوطن، وذِكر حق العودة والحلم الذي لا ينطفئ، واستخدام رموز العودة، كالمفتاح (المفاتيح)، وصورة حنظلة، والأسماء للقرى المُدمّرة والمُهجّرة، تعليم الأبناء حول كل قرية هُجّروا منها؛ كي لا ينسى الأبناء والأحفاد موطنهم الغالي فلسطين، والتمسّك بالعادات والتقاليد الشعبيّة، كالملابس التي تميّز بها الفلسطينيّون من الأثواب المُطرّزة بالتطريز الفلّاحي، والمأكولات الشعبيّة المشهورة؛ مثل: المسخّن، والمقلوبة، وأرغفة الخبز المُحمّرة، والزيت والزيتون والزّعتر.

في الروايتين استخدمت اللغة العربيّة الفُصحى، الرصينة ذات الصيغة الأدبيّة، والصّور البلاغيّة المعبّرة، كذلك استخدمتا اللّغة العاميّة أحيانًا، وفق اللّهجة المستعملة على لسان النساء المتحدّثات، هذا الاستخدام منح المِصداقيّة للأحداث، وأثرى من شدّة التشويق للروايتين، ولم يُنقص من قيمتهما، خاصّةً عند الاستخدام بالوقت المناسب وفقًا للشّخصيّات المتحّدّثة. في هذا الجانب أفردت الكاتبة عاشور قاموسًا خاصًّا؛ لتعريف القرّاء في الدول العربيّة على هذه الأسماء والمصطلحات باللّهجة العاميّة الفلسطينيّة  المستعملة .

تميّز الأسلوب الفنّي في السرد من خلال قراءة الروايتين، بالاسترجاع الفنّي – flash back  والتداعي، خاصّةً عند الحديث عن ( النوسطالجيا) بالإضافة للحوار الذّاتي على لسان البطلات والأبطال، ممّا يزيد من المصداقيّة للتماهي مع الأحداث الدراميّة في النصوص، بالإضافة لاستخدام الحوار العادي بين الأشخاص.

يبرز الاختلاف بين الروايتين، في تطوير الأحداث والاستطراد في رواية رضوى عاشور؛ حيث امتدّت الأحداث وتشعّبت إلى ما بعد النكبة وبعد الشّتات، فتناولت الكاتبة تصوير الحرب اللبنانيّة، واجتياح صبرا وشاتيلا، ووصفت المآسي والدّمار الذي ألمّ باللّاجئين الفلسطينيين أثناء وبعد الحرب، ووصفت الحياة الاجتماعيّة للمُهجّرين، وتشتّتهم من جديد.

بينما تقيّدت الكاتبة ابو غوش في تصوير الأحداث أثناء النكبة، بشكل مُكثّف ممّا جعل القارئ مركّزًا في أجواء النكبة وانعكاساتها النفسيّة على حياة الفلسطينيين، في تصوير مرحلة هامّة ومفصليّة في تاريخ وجغرافيا الإنسان الفلسطيني؛ فهي تأريخ شاهد على جذور أصليّة، واقتلاع الإنسان الفلسطيني، والشجر والحجر من أرضه ووطنه، وتوطين اليهود مكانهم في وطنهم.

من وجهة نظري، أجد بأنّ التقيّد في سرد ووصف الأحداث في مرحلة زمنيّة ومكانيّة محددتين، أفضل من الاستطالة والاستطراد؛ من أجل اعطاء الزّمن والحدث حقّهما من الرّواية.

لاحظت في رواية عاشور بأنّ هناك بعض الأحداث زائدة ولا تخدم الحدث. في بعض الأقسام حيث في الفصل الخامس والثّلاثين، بعنوان “سومانا” وهو اسم الخادمة التي كانت تعمل في بيت ابنها صادق في أبوظبي، وصفت الكاتبة العلاقة التي تربطها بها دون علاقتها بأحداث الرّواية.

في الفصل التّاسع والثّلاثين بعنوان فرح، أجد فيه مبالغة وغير منطقيّة لا تتلاءم مع الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة للإنسان الفلسطيني، وخاصة في كونه لاجئًا، وذلك بسنوات ما قبل 1987، عندما أقام صادق “بن رقيّة” حفل زفاف لأخيه حسن، وتكفّل في مصروفات باهظة الثمن  بشراء تذاكر وتمويل إقامة لجميع المدعوّين من طرفي العروسين، حيث أقيم حفل الزّفاف في مطعم فاخر على الشّاطئ في “بيريوس” اليونانيّة؛ كمنطقة محايدة لالتقاء الأقرباء فيها لقدومهم من دول عربيّة مختلفة. من المُلفت للانتباه هو استخدام الأغاني والأهازيج الفلسطينيّة بعرض مكثّف في هذا الفصل. صفحة 307- 330.

بالنسبة لنهاية الرّواية عند عاشور كانت تقريبا شبه مفتوحة، ربّما لأنّ القضيّة ما زالت معلّقة حتّى الآن؛ أما بالنسبة لنزهة أبو غوش فقد تعمّدت الكاتبة أن تجعل من الرّواية مفتوحة أمام القارئ؛ بسبب نيّتها في كتابة جزء ثان لرواية مكمّلة لنفس الشّخصيات – كما عرفت لاحقًا-

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .