كتب جميل السلحوت:
توقيع اتّفاقتي تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين واسرائيل في ساحة البيت الأبيض يوم 15-9-2020، لم تفتح بابا جديدا للسّلام كما زعم البعض، لكنّها بالتّأكيد تشير إلى واقع ومتغيّرات جديدة على المنطقة، من خلال التّطبيق الفعليّ للمشروع الأمريكيّ “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة العربيّة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وفي هذا الإطار أيضا تأتي لتطبيق “فصعة” القرن” الأمريكيّة لتكريس الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين التّاريخيّة من البحر إلى النّهر، وتهويد المنطقة بمال بترول الأنظمة العربيّة، وفرض الهيمنة الإسرائيليّة على الشّرق الأوسط. وهذا الاتّفاقات التي جاءت استجابة لأوامر سيّد البيت الأبيض، كدعاية انتخابيّة له في منافسته على الرّئاسة الأمريكيّة التي ستجري انتخاباتها في الثالث من نوفمبر القادم، وتؤكّد من جديد أنّ أنظمة عربيّة لا يتعدّى كون قادتها مجرّد ضبّاط صغار في المخابرات الأمريكيّة.
ويلاحظ أنّ وكلاء أمريكا واسرائيل في المنطقة قد جنّدوا وسائل الإعلام للتّطبيل والتّزمير للمرحلة الجديدة، التي لن يقتصر الدّور فيها على من وقّعوا الإتّفاقات ولا على من هتفوا معهم مشيدين بهذا السّقوط المدوّي، بل ستتعدّاها إلى أنظمة متصهينة أخرى تتكلّم العربيّة ستصدر لها الأوامر بالتّوقيع على اتّفاقات هي الأخرى قبل الانتخابات الأمريكيّة بأيّام لا تتعدّى عدد أصابع اليد، في محاولة من ترامب لكسب أصوات اللوبي اليهودي، والمحافظين الجدد من المتصهينين المسيحيّين في أمريكا.
ويلاحظ هنا أنّ أيّا من الموقّعين على اتّفاقات الإستسلام، سواء من الأمريكيّين أو الإسرائيليّين، أو ممّن يتكلّمون العربيّة، أو ممّن يهتفون معهم لم يتطّرقوا ولو بكلمة واحدة إلى إنهاء الإحتلال الإسرائيلي، وحتّى من حاولوا خداع الشّعوب بالحديث عن دولة فلسطينيّة لم يصفوها بالمستقلّة، ولم يدعُ أيّ منهم لكنس الاحتلال وموبقاته. وما لم يقله أيّ منهم أنّ “التّعاون” الإقتصاديّ سيثمر تمويلا نفطيّا للبناء الإستيطاني في القدس وبقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة لاستكمال تهويدها.
ومن اللافت ما قاله ترامب وغيره حول “السّماح للمسلمين من خارج فلسطين بالصّلاة في المسجد الأقصى”! فهل يعلم ترامب ووكلاؤه في المنطقة أنّ اسرائيل لا تسمح لمواطني الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة بالصّلاة في المسجد الأقصى؟ وهل يعلمون أنّ الأقصى مقسّم زمانيّا بحيث يسمح لليهود بدخوله في ساعات معيّنة تحت حراسة مشدّدة للصّلاة فيه بشكل شبه يوميّ؟ وهل يعلمون أنّ الحفريات الإسرائيليّة تنخر أساسات المسجد الأقصى؟ وهل يعلمون أنّ التقسيم المكانيّ للأقصى لا يزال قائما من أجل بناء الهيكل المزعوم فيه؟
لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت الإمارات والبحرين ومن سيتبعهما يوما جزءا من الصّراع العربيّ الفلسطينيّ؟ وهل تنتبه هذه الأنظمة المستبدّة أنّها تعيش في كوكب آخر بعيدة عن شعوبها وعن أمّتها؟ وهل تعلم أنّ تغيير أولويّات الصّراع في الشّرق الأوسط لن يكون في صالحها، وأنّ تعاونهم الأمنيّ والعسكريّ مع اسرائيل وأمريكا ضدّ إيران سيجعلهم في قلب الصّراع، وأنّ نشوب أيّ صراع مع إيران سيجعل أراضيهم ساحة حروب تدميريّة؟
وهل يعلم الصّاغرون المتهافتون على تنفيذ أوامر الإستسلام هم وأسيادهم أنّ السّلام في الشّرق الأوسط لن يتحقّق ما لم يتمكّن الشّعب الفلسطيني من حقّه في تقرير مصيره على ترابه الوطنيّ، وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف بعد كنس الاحتلال ومخلفاته كافّة، وإيجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيّين حسب قرارات الشّرعيّة الدّوليّة؟ وهل تتعلّم الأنظمة العربيّة المتصهينة من تاريخ ملوك الطّوائف الذين تحالفوا ضدّ بلدانهم مع الفرنجة عندما غزوا المشرق العربيّ في القرن الحادي عشر الميلاديّ؟ والحديث يطول.
16-9-2020