حطين والحدى الحطيني.. بقلم: سهيل مخول – البقيعة

 ذاع سيط قرية حطين في فترة الانتداب البريطاني بين القرى والمدن الفلسطينية ، نتيجة شهرة الزجال الشعبي أبو سعيد مصطفى الحطيني الذي كان يتباهى بنفسه ويقول ” أنا الحطيني أعور بعيني اليميني“.

في احدى السهرات ، حيث تواجد الزجال  محمود العلي فهيدِه، وهو أحد شعراء بيت جن ، فقام احد الموجودين وهو حسين أبو الخير سعد، بتقليد  “الحطيني” وكان يعتبر ذلك مداعبة  للزجال الصفصافي، وكان يعلم مقدار ومدى مدى غيرة وعدم إرتياح الصفصافي ومقته للشاعر أبو سعيد الحطيني، فأمال  أبو الخيرعقاله فوق حطته بعد أن غطى عينه اليمنى، كعادة الحطيني الذي كان يغطي عينه العوراء، ودخل السهرة مقاطعا حداء الشاعرين قائلا:
أنا الحادي الحطيني أعور بعيني اليميني
والصفصافي المسكيني، لخلـّي عيونك تقدح نار”
فانسحب الصفصافي وهو يتمتم:” ما الذي أتى بهذا الطفـّــيخ؟”
لكن زميله لحق به، وطيّب خاطره بعد أن كشف له المقلب الذي قام به أبو الخير.

الكل سمع بشهرة الزجال أبو سعود محمد الأسدي،  الشاعر الشعبي المشهور، لقد امتدح الزجال الحطيني وقال عنه  “بأنه من أذكى الشعراء وأجهرهم صوتا، إلا أنه (طفــّـيخ) أي لا يعمل حساباً للذي يحدي معه، فلا يراعي مشاعره”

في احدى سهرات الأفراح ومن الممكن أنها كانت في قرية عيلبون حيث كان بين المدعوين الشاعر أبو سعيد مصطفى الحطيني، كضيف. وبينما امتدح حاديا السهرة بأبيات العتابا وترديد (حلالي يا مالي) الحضور والضيوف، وحيث لم يفطن أحدهما الى وفد بيت جن، فما كان من الحطيني سوى أن قام من مكانه، منتزعا سماعة مكبر الصوت من يد أحدهما منشدا
“كلــّـــو إســـلام ونــصارى ووين راحوا بني مَعروف
أهــلِ الكـَــرَم والأمـــــارَه وْإلهُــم بالتاريخ كـــتاب…يا
حلالي يا مالي”

من المرجح بأن قرية حطين المُهجرة  بنيت على أنقاض قرية  “صدّيم” الكنعانية، وذكرت في العهد الروماني باسم “حطّايا” وقد يكون هو مصدر الإسم حطين. ينسب اليها العديد من علماء العصور الإسلامية الأولى ومن جملتهم ياقوت الحموي (توفي سنة 1229) والأنصاري الدمشقي (توفي سنة 1327) الذي يدعى أيضا الشيخ الحطّيني. كما توفي فيها علي الدواداري الكاتب والخطاط ومفسر القرآن في سنة 1302. وفي محيطها يقع مقام النبي شعيب على المشارف الجنوبية الغربية، ويحج اليه أبناء الطائفة المعروفية (الدروز) في 25 نيسان من كل سنة، وفيه قبرالنبي  شعيب وأثر قدمه، وفيه نبع يسمى ” عين العيون” بمحاذاة الجبل يستقي منه الزوار.

وكانت حطين تتبع قضاء طبريا، يحدها من الشمال  خربة الوعرة السودا وعرب المواسي، ومن الغرب عيلبون، ومن الجنوب نمرين ولوبيا. من هذا الموقع الذي تميّزت به هذه القرية الفلسطينية، اكتسبت حطّين أهميّة كبيرةً جداً، سواء على المستوى الاسترتيجي أم على المستوى التجاري. كانت وما زالت التربة في محيط حطين جيدة، وتتمتع بوفرة الأمطار والمياه الجوفية ولا سيما في الشطر الشمالي من السهل حيث كانت جملة ينابيع وآبار وقد أدى تضافر هذه العوامل الى نشوء اقتصاد زراعي مزدهر. وكان معظم سكان القرية يعمل في الزراعة التي كانت تقوم على زراعة الحبوب والثمار وضمن ذلك الزيتون. في سنة 1944 كان ما مجموعه المزروعات  10253 دونما مخصصة للحبوب و1936 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين. وكانت كروم الزيتون وغيرها.

ومن أبرز الأحداث التي مرّت على هذه القرية الفلسطينيّة معركة حطين، والّتي تعدّ واحدةً من أبرز وأهم المعارك على الإطلاق في التاريخ العربي الإسلامي، فهي التي كانت نقطة التحوّل في الصراع الإسلامي الفرنجي. وقد وقعت هذه المعركة العظيمة في عام 1187 من الميلاد، وقد استطاع بعد هذه المعركة الفاصلة الّتي انتصرفيها  صلاح الدين  العبور من خلال منطقة جليل فلسطين الشمالي، وتحرير الأرض المقدّسة.

بعد سقوط الناصرة في 16 تموز 1948، بدأ نحو خمسة وعشرين أو ثلاثين جنديا من جنود جيش الإنقاذ العربي ينسحبون من الأماكن التي كانوا اتخذوها مواقع لهم في حطين وقد غادر معظم السكان في ليل 16- 17 تموز, الى المنطقة القريبة من عيلبون ودير حنا، بعيد احتلال القرية, احتل اليهود حطين في 17 تموز ومنعوا سكان القرية من العودة. لجأ أغلب أهالي القرية إلى لبنان بعد فقدان أمل العودة وبعد أن ضاقت بهم الأرض. بقي قسم قليل في قرى الجليل مثل عرابة وعيلبون وكفر كنا ومدينة شفاعمرو. أقامت إسرائيل على أراضي حطين مستعمرة أربيل سنة 1949 وبعد ذلك بعام مستعمرة كفار زيتيم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .