وصلني من الصديقة الشاعرة ابنة طرعان، روز اليوسف شعبان، ديوانها الشعري الأول ” أحلام السنابل ” الصادر حديثًا عن دار ” الوسط اليوم ” في رام اللـه، الواقع في 128 صفحة من الحجم المتوسط، وصممت غلافه الفنانة مرام صباح، ويضم بين ثناياه 51 قصيدة تتراوح بين الشعر والنثر، ما بين قصيرة وطويلة، نشرت معظمها على صفحتها في الفيسبوك، وفي مواقع الكترونية محلية وعربية وعالمية، ضمنتها أحاسيسها ومشاعرها الوجدانية وتشظياتها بين الحُبّ والوطن وغربة الفلسطيني وألق الحنين، وتطرح الهموم الوطنية والعذابات الفلسطينية، وقضايا الإنسان والحياة والقلق الوجودي الحضاري.
قدم للديوان الناقد د. بطرس دلّه بكلمة تقريظ واطراء للشاعرة، ومما كتبه : ” ما وجدتُهُ في مجموعتِكِ هو كلامٌ جميلٌ حقًا، يَحملُ في طيّاتِهِ الكثيرَ مِنَ الإبداع وجمال الكلمات وانسجامِها، بحيث يشعرُ القارئ أنهُ إزاء كلام فيه ملامحُ القصيدةِ وتحليقُ الشّعر، فالكلماتُ توحي بأبعد مَن مدلولِها الحَرفيّ في معظم ما كتبتِ، الأمر الّذي يوحي بأن لديكِ ذائقةً أدبيّةً مُتطوّرة، وتعرفين كيف يكونُ التّحليقُ وراءَ المعاني البعيدة والخفيّة، فمن أجل ذلك، سأسمي هذه المجموعةَ ديوانًا من شعرِ الحداثة “.
وتهدي روز شعبان ديوانها ” إلى مَن جَعَلني أستوْطِنُ دارةَ القمرِ، فأرى الحياةَ نبراسًا للخيرِ، وسِراجًا للعطاءِ، وينابيعَ حبٍّ تتدفّقُ منها الأماني، فيغدو الحُلمُ حقولًا، تَعبقُ بشذى الحبقِ، والنّعناع، والزّعتر، إليك زوجي، شريكَ أحلامي وآمالي، وإليكم أبنائي، أهدي باكورةَ أعمالي “.
وتستهل روز ديوانها بقصيدة رائعة عنوانها ” لأجلِكِ جفرا ” مهداة للشاعر الفلسطيني ابن بني نعيم، المقيم في الاردن، عز الدين المناصرة، وتختتمه بقصيدة ليس أقل جمالًا وروعة، تناجي فيها الوطن بعنوان ” سأعودُ يومًا إليكَ “.
وتأخذنا روز شعبان في رحلة صبغت قصائدها بالوان قزحية وعناوين عدة، برقة إحساس، ورشاقة معانٍ، ولغة شعرية راقية ماتعة، وأسلوب رقيق ناعم وعذب انتهجته لتحريك ألفاظ النص، تراقص موسيقاه وتداعب أنغامه بعيدًا عن الرتابة، مع إضفاء فيض من الحيوية والنبض والحياة والحركة، وتبث روحًا دافئة على صفحات الديوان.
قصائد ” أحلام السنابل ” تشكل لوحات فنية إبداعية في غاية الجمال والشفافية الصادقة والعفوية، ونجد فيها رومانسية ، وبوح رهيف، وغزل عفيف، ومناجاة للحبيب، ومحاكاة للوطن والأمكنة ولزهرة المدائن وللمهجرّين، وحنين لماضِ جميل زاهٍ، واستذكار للحياة الريفية والقروية الشعبية البسيطة، وفيها أيضًا شجن وحزن وأسى لما آلت إليه الأحوال والأوضاع الاجتماعية، وتردي القيم وغياب المبادئ وانهيار الاخلاق الفضيلة.
وما يميز نصوص روز شعبان الكثافة الشعرية، والنثرية المحببة المشحونة بجيشان العاطفة وتدفق الوجدان، والاستعارة البديعة، والوصف الخلّاب، والصدق التعبيري العفوي، ورشاقة المعاني، وجزالة الألفاظ، ومهارة بناء المفردات، وتركيب العبارات، وصياغة الجملة الشعرية. وقد جاءت أشعارها زاخرة بالحبكة الشعرية المتينة، والكلام الجميل المنساب، وتحفل بالصورة الفنية الراقية التي وشحت بها نصوصها، ونرى كيف تطلق العنان لخيالها الواسع الرحب لترسم عالمها الشعري الذي ترمي إليه، ولنصوصها عطر خاص، ومذاق خاص، وجمال يلمسه ويستشفه القارئ عند التمعن فيها مليًا والابحار في أعماقها.
تستخدم روز شعبان في قصائدها وتتبع لغة مائية صافية تؤثر على انسيابية وسلاسة نصوصها، فتنهمر الألفاظ، وتفيض مدن الروح والوجدان بوحًا أنيقًا باذخًا تستنهض سواكن الصدر وتذيب جليد الروح، ولنسمعها تقول في هذه القصيدة الوجدانية الرقيقة التي تدغدغ المشاعر وتداعب أوتار القلب، وتحمل عنوان ” بينَ زخّاتِ المطر “:
تّسلّلَ إلى طَيفُكَ
بينَ زخّاتِ المطر
فأوْرَقَتِ البسمةُ في عينيَّ
وطابَ فيِهما السّفر
فمِنْ أينَ جئتَ؟
وكيفَ تراءى طيفُكِ
خلفَ الغمامِ .. وبينَ أَهِلّةِ القمر؟
هل جئتّني مُعاتبًا
أم جئتَ تَمسحُ أدمُعي
وتُندي جَبيني بالقُبَل؟
هل كانَ طيفُكَ
صورةً في خاطري .. كالبرقٍ جالتْ
ثم طارت في وَجَل؟
عادَ الغمامُ يُشاكسُني
ويُخفي عن عيني القمر
ورُمْتُ أنشدُ طيفَكَ
خلفَ السّحاب
وبين وُريقاتِ الشّجر
ألثمُ جبينَكَ
في رحيقِ الشّهدِ
وَفي مطلعِ الفجرِ
ومَبْسَمِ الزّهر
وأُعَلٍّلُ النّفسَ بلُقياكَ
وأنْ طال غيابُكَ
أو قَصُر!!
روز شعبان شعرية مرهفة صادقة عميقة بالوجد والألم والوجع الروحي، تحنُّ للماضي الجميل، وتنبش الذاكرة الحيّة تارة، وتقدم صورة للوطن والإنسان الفلسطيني في الديار والمهجر والشتات والمنافي القسرية، وتطرح هموم الحياة المعاصرة تارةً أخرى، وتكثر في شعرها كلمات الغربة والمنفى والحنين، والعودة، والفجر، والصباح ، والسنابل، والبيادر، والندى، والغمام، والدمع، وأحواض النعناع، وعبق الذكرى وغيرها الكثير من المفردات والكلمات والألفاظ التي تتردد وتتكرر في نصوصها.
إن ديوان ” أحلام السنابل “يحمل رسالة ومعانِ وأبعاد إنسانية، وأحلام شاعرية، ويجسد تجربة روز شعبان وتحليقها في فضاء الكلمة الشعرية والنثرية والأدبية، وتمتعها بالموهبة، وامتلاكها الخيال والتجلي، ولا بد أن يكون النجاح حليفها، إذا ما واصلت المسيرة بثقة وعملت على تطوير أدواتها وتجديد مضامينها وإغناء تجربتها أكثر.
ومع الترحيب بالديوان، أهنئ الصديقة الشاعرة روز اليوسف شعبان، بصدور باكورة أعمالها، وأشكرها على هديتها، وأتمنى لها المزيد من العطاء والحضور والتألق الأدبي في ميادين الأدب، مع خالص التحيات.