بثينة العيسى صوتٌ صارخٌ في برّيّةِ العالم العربي/سلمى جبران-حيفا

 

يسعدني أن أقدّم قراءة عن رواية “كبرتُ ونسيتُ أن أنسى” للروائيّة الفريدة المتميّزة بثينة العيسى، الروائية التي تسمّي الأشياء باسمها الحقيقي وبجرأة غير مسبوقة.

بثينة العيسى صوتٌ صارخٌ في برّيّةِ العالم العربي…صوتٌ يتوقُ إلى الحرّيّة وإلى الكَوْنيّة وإلى الحوار مع الوجود… “كبرتُ ونسيتُ أن أنسى” تحكي قصّة فاطمة التي تربَّتْ تحْتَ وَطْأةِ ما يُسمّى بالصّحوة الدينيّة في العالم العربي حيثُ الموسيقى حرام، والصُّوَر حرام، والبرامج الإذاعيّة فِسْق، والشِّعْر مُصيبة والفنون مَعْصِيَة وابتعاد عن الذِّكْر. تفقِد فاطمة والدَيْها في حادث وهي طفلة بعمْر 13 عامًا ويتولّى أخوها صقْر، غير الشّقيق، إدارةَ حياتِها… فتقول إنَّ اليُتْمَ ليسَ موتَ والديْها فقط بل اليُتْمُ هوَ عدَم موتِها مَعَهُم ووجود صقْر في حياتِها ليكبحَ نُموَّها ويضيِّقَ الخِناق عليها باسمِ الدِّين ويمنع وجود ألعابِها في البيت ويمنَع صوتَها ويحرق كُتُبَها ويمنعها من كتابةِ الشِّعْر ويشطب حتّى القنوات التلفزيونيّة التي لا تروق له.

فاطمة عاشت تحت الرَّدْم تبحَثُ عن نورٍ داخلي وعن نورٍ خارجي. فالكِتابةُ عندَ فاطمة صراعُ بقاء مثلما أنَّ الكتابة عند بثينة العيسى هي فِعلُ مقاومةٍ للخوف! عمِلَتْ عقليَّة صقْر على جعْلِ فاطمة تنسى، ولكنَّ ظُلمَهُ تغلغَلَ في أعماقِها حتّى أُنهِكَتْ إنسانيَّتُها وجَفَّـتْ روحُها، فنَسِيَتْ أنْ تنسى!  وعندما كبُرَتْ والتَقَتْ عصام وأحبَّتْهُ، زوَّجَها أخوها من صديقِهِ دونَ أن يكونَ لها رَأْيٌ في ذلك. تُعرّي بثينة العيسى قضيّةَ الحرام الذي قمَعَ الفِكْر والحرّيَة وقضى على كلِّ ما هُوَ جميل وذاتي ونيِّر وعَرَّتْ التضادّ فيها حيثُ عاشتْ فاطمة في سردابٍ حماها، وأصبح التعبير عن الإحساس بالتعَب تَرَفًا وهْيَ هَرَبَتْ من المَوْت إلى موتٍ آخَر حتّى تحيا حيثُ قَبَرَتِ الوُرودَ البيضاء والأحلام… وتجلَّتِ الرّواية في التعبير عن نقائضِ الوجود في حياة فاطمة في ظلِّ الحرام:

اقتباسات: “الدُّنيا جنَّةُ الكافِر وسِجْنُ المُؤمِن” ص42 – “مهارتُكَ في الأمْر تتعلَّقُ بمدى قُدْرَتِكَ على الّا تُفكِّر” ص43 “لماذا توجد لغة مؤمنة ولغة كافِرة؟” ص77.

تحدَّثَتْ فاطمة عن مُصادَرَةِ المعنى واحتكارِ الحقيقة وقتْلِ فردانيّةِ المُفرَدَة! حَكَتْ عن الحربِ الأبَديّة بين الحلال والحرام والتي خلَّفَتْ إبادةَ الكُتُب بكل تفاصيلِها وقتْلَ شخصيّاتِها وجَمْعَ حُطامِها في قبورٍ جماعيّة! غيْرَ عابئةٍ بقُدْسِيَّةِ الكَلِمِة التي كانت هيَ البَدْء!

صديقتُها حياة وَضَعَتْ أمامَها مِرآةً غيرَ مُكسَّرة حيثُ أَبصَرَت نفسَها، وكان التحرُّرُ الذّاتي عندَ فاطِمة أقوى من المَوْت وأقوى منَ الحياة!

 

في هذه الرّواية تعبّر بثينة العيسى عن كل هذا الظُّلم والظّلام بتوجُّه جريء\إنساني\كوْني\طبيعي وحُرّ حيثُ تضع النِّقاط على الحروف وتُعطي كلَّ شَيءٍ اسمَهُ الحقيقي وتنقل الصورة ساطعةً، جليّة وشفّافة. تحيَّة إكبار للروائيّة بثينة العيسى- هذه الإنسانة الرّائعة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .