وقفات على المفارق مع… كلّ الحقّ مع نتانياهو!.. سعيد نفاع ـ بيت جن

 

الوقفة الأولى… والتشريف.

تجربة دورتين في الكنيست علّمتني ما لم أكن أعلم، فليس هنالك ما يشرّف في وجودنا كعرب في الكنيست، ولا يفهمنّ أحد إنّي من دعاة المقاطعة وهذا موضوع آخر، ولكنّها حقيقة وإن كان راودني سابقًا شكٌ في ذلك فقد جاءت تجربتي لتحوّل هذا الشك إلى يقين. العمل شاقٌ هذا إن كنت ذاهبًا لتعمل خصوصًا والميدان مليء بالعيون التي تقطر عداءً لك ولكلّ ما تمثّل، ولكن الأقسى والأنكى هو العيون التي تقطر جحودًا من ذويك وحتّى حين يقيّض لك أن تستل حقّا لهم في هذا الميدان ورغم وعورته، لا يلبث أن تذرو به رياح الجهل.

الوقفة الثانية… إنّي أتذكّر

المرّة الأولى التي استُعمل فيها قانون الحصانة بعد تعديله كانت ضدّ “حضرتي بالخير” وذلك يوم 26 كانون الثاني 2010. القانون ينصّ على أن عضو البرلمان يحظى بحصانة جوهريّة وإجرائيّة من مجرّد كونه عضو برلمان، ومن هذا المنطلق فتقديمه للمحاكمة يستدعي رفع حصانته الإجرائيّة، وبالمناسبة الحصانة الجوهريّة هي لمدى الحياة. قبل التعديل كان على المستشار القضائي أن يطلب رفع الحصانة الإجرائيّة من الهيئة العامة للكنيست. جاء التعديل لينصّ أن المستشار القضائي يقدّم لائحة الاتهام للمتهم وللكنيست وبمجرّد تقديمها وإذا لم يطلب المتهم خلال ثلاثين يومًا سريان حصانته فيعتبر الأمر تنازلًا منه عنها، ولا حاجة لأي بحث، وحالة النائب السابق باسل غطّاس مثالٌ.

أمّا إذا طلب تفعيلها فتعود الصلاحيّة للبت إلى لجنة الكنيست، هذا ما فعلْتُه حينها ليس لأنّي كنت من السذاجة بمكان أن أعتقد أن لجنة الكنيست، التي كان يرأسها يريف ليفين الليكودي وأكثريّة أعضائها من الائتلاف، ستعدلني، وإنّما من منطلق “في المعركة كما في المعركة” وهذا ما كانت تخوضه ضدّي المؤسّسة فلن أوفّر على المؤسّسة ساحة نزال.

الوقفة الثالثة… ومع عُرْي المؤسّسة.

مع الفارق الكبير بين التُّهم الموجّهة في الحالتين غير إنّ المسوّغات هي نفسها في قضيّة الحصانة وبشقّيها. ولكن الملفت غير الملفت أن حاشية نتانياهو من يريف ليفين إلى ميري ريجف ومن لفّ لفّهما ممّن كانوا حينها أعضاء كنيست، رأوا في النيابة العامة والمستشار القضائي قمّة النزاهة والمهنيّة واليوم يرون فيهما قمّة الدنوّ والانحطاط. أنا ومن منطلق مهنتي كمحامٍ وقبل أن أكون عضو برلمان آمنت حتّى النخاع ومن تجربة مع عشرات القضايا السياسيّة والأمنيّة التي ترافعت فيها، أنّ في هذه القضايا لا يوجد في إسرائيل قضاء وإنّما هنالك سياسة قضائيّة متّفق عليها بين كلّ أذرع المؤسّسة وليس فقط ضمنًا وإنّما إذا احتاج الأمر فوجاهيّا بالخفاء طبعًا.

إحدى المسوّغات التي ينص عليها القانون في رفع الحصانة أمام لجنة الكنيست هي الادعاء: إنّ ما قام به العضو من مخالفة تمّ في سياق تنفيذه مهامّه كعضو كنيست وهذا في باب الحصانة الجوهريّة. ادّعيت حينها إنّ دخولي إلى سوريّة وبالذات مساعدة الناس بالدخول إلى سوريّة هي جزء من مهامي تجاه هؤلاء الناس وحقوقهم (وللذكرى والتاريخ من كلّ شرائح أبناء شعبنا إذ كنت أتولّى المشروع وليس فقط للدروز)، ولك عزيزي القارئ أن تتوقّع ما كان موقف أعضاء الكنيست من هكذا ادعاء وغيره بمجرّد أن يكون المدّعي عضواً عربيّا!

نتانياهو وحين تقدّم بطلبه يعرف ذلك جيّدًا وكان افترض إنّ الأمر مفروغ منه لصالحة وبغض النظر عن الاتهامات ونوعيّتها والفرق الشاسع بين “الشمبانيا والسيجار” وحقّ التواصل. وما يواجه نتانياهو اليوم من خطر رفض طلبه بسبب الحالة الخاصّة للكنيست ليس من باب “أخلاقيّات” كحول لفان أو ليبرمان فأسلافهم وجماعة نتانياهو كلّهم التفوا ضدّي يدًا واحدة، ويكفي أن تسمع اليوم “القطيع” الذي خلف نتانياهو لتدرك كيف تدور الأمور في مؤسّسات هذه الدولة.

الوقفة الرابعة… مع الإجراء الانتقائي والتمييز.

أحد الادعاءات التي ينصّ عليها القانون إنّه إذا كان الإجراء (الاتهام) انتقائيّا فهذا سبب لعدم رفع الحصانة، يعني إذا قدّمت لائحة اتهام ضدّ عضو كنيست في تهم ولم تقدّم ضدّ غيره في حالات مشابهة لوائح اتهام فهذا سبب لعدم رفع الحصانة. نتانياهو يدّعي اليوم كذلك أنّ اتهامه هو انتقائيّا بهذا المعنى وخصوصًا في ملفّ 4000 آلاف (بيزك واللّا).

في حالتي أقفلت الملفات ضدّ كلّ من زار دولًا معاديّة كسوريّا وحتّى لبنان وعينيّا الضاحية فيها، وضد كلّ من ساعد آخرين على زيارة كهذه، والتقى شخصيّات “معادية” وفي هذه كان ادعائي: هل التقيت أنا “أعداء صهيون” وغيري التقى “أحبّاء صهيون” و”صدّيقي أمم العالم”؟! هل كلّ من زار سوريّة قبلي ذهب ل-“يقحف الحمّص” (ترجمة حرفيّة عن الاصطلاح الذي يستعمله أبناء عمومتنا) في الشام وليتذوّق بوظة بكداش، وأنا ذهبت لألتقي كارهي إسرائيل؟!

لجنة الكنيست لم تجد في هذا “انتقائيّة”، ولكنّها حتما ستجد الانتقائيّة في حالة نتانياهو في حال اختلفت تركيبتها، فهو ليس فقط ضحيّة تمييز وانتقائيّة وإنّما قدّيس ملاحق. المستشار القضائي والنيابة طاهرو القلب واليدين في حالتي وملوّثوها في حالة نتانياهو!

الوقفة الخامسة…  والخلاصة.

الحقّ مع نتانياهو، فنتانياهو وقطيعه مصيبون في الطّرح، في كلّ ما يقولون عن أذرع تنفيذ القوانين في هذه الدولة، بدءًا بالشرطة ومرورًا بالنيابة وانتهاء برئيسها وبغَض النظر عمّن يكون رئيسها، فهم فعلًا ملوّثون بكلّ الموبقات التي تطرحها الجوقة والمايسترو.

المعضلة أنّ هذه الموبقات تصير قمّة الطهارات حين يكون المتّهم عضوًا عربيّا.

سعيد نفّاع

أواخر كانون الثاني 2020

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .