تحليل اخباري | مناورة توقيع 61 نائبا: حكومة الحزب المنتحر

كتب برهوم جرايسي:

نجح ليبرمان في دفع نفسه الى مقدمة المشهد السياسي ولكن مناورته قد تفشل *جمع تواقيع 61 نائبا لا يعني نجاح تشكيل حكومة

كل حكومة ستتشكل من دون انتخابات ثالثة، ستعني أن أحد الأحزاب قرر “الانتحار سياسيا”

نجح أفيغدور ليبرمان زعيم حزب “يسرائيل بيتينو”، مرّة ثانية خلال أسبوع واحد، في دفع نفسه الى واجهة المشهد السياسي، رافعا سقف توقعات تشكيل حكومة، من دون التوجه إلى انتخابات ثالثة. ولكن هذا لا يعني نجاح مناورة ليبرمان، فحتى لو قرر هو النزول عن الشجرة، والانضمام لحكومة اليمين الاستيطاني، وهي اطاره الطبيعي، فهو يعرف أن عمر حكومة كهذه يرأسها بنيامين نتنياهو، سيكون قصيرا، وحينها سيدفع ليبرمان ثمن خضوعه للمتدينين. وأصلا كل حكومة ستقوم في هذه المرحلة، من دون انتخابات، ستعني أن أحد الأحزاب المركزية قرر “الانتحار سياسيا”.

وكان ليبرمان قد أطلق مساء السبت مناورة جديدة، معلنا فيها، أنه مستعد لتقديم تواقيع نواب حزبه الثمانية للمرشحين لتشكيل الحكومة، بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، ليكون لكل منهما تواقيع 61 نائبا، يقدمها لرئيس الدولة، الذي سيمنح أحدهما مهلة 14 يوما لتشكيل الحكومة، وإذا لم ينجح، يتم حل الكنيست تلقائيا، والتوجه لانتخابات برلمانية خلال 90 يوما.

إلا أن ليبرمان زاد على هذا، شرطه بأن تقام حكومة وحدة تجمع بداية الكتل الثلاث، “الليكود” و”كحول لفان” و”يسرائيل بيتينو”، وهذا شرط مرفوض تلقائيا من الليكود وبنيامين نتنياهو، الذي يتحرك باسم 55 نائبا، لكتلة الليكود والكتل الحليفة معه.

وفي وقت لاحق من اليوم الأحد، عاد وهاجم ليبرمان نتنياهو، بأنه يرضخ للمتدينين، ما يعني أن ليبرمان لم يتنازل، حتى مساء اليوم الأحد، عن قائمة مطالبه المتعلقة بقوانين وأنظمة الاكراه الديني، وكلها مطالب سترفض غالبيتها العظمى كتلتا “الحريديم” “شاس” و”يهدوت هتوراة”.

إذ يطالب ليبرمان بإقرار نهائي للقانون الذي يفرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، بموجب نص القانون الذي أقره الكنيست بالقراءة الأولى قبل عام من الآن، فيما يطالب الحريديم بإدخال تعديلات عليه، ومنها تعديلات تُفرغ القانون من مضمونه الأساس، الذي صاغه الجيش.

كما يطالب ليبرمان بالسماح بمواصلات عامة، وحركة تجارية في أيام السبت العبري، والسماح بإبرام عقود زواج مدني لكل من يرغب، وأن التهويد لا يكون تحت سطوة الحاخامية الرئيسية العليا فقط، وكل هذه مطالب تُعد مكتسبات للحريديم، ولا يمكنهم التنازل عنها.

ومسألة قوانين الاكراه الديني هي الخشبة الوحيدة التي بقيت لليبرمان، ليتسند عليها في بحر السياسة الهائج، وإن أفلتها ستقفزه الأمواج الى الشاطئ، دون رجعة للسياسة، وليس واضحا ما إذا لدى ليبرمان ما تزال ألواح خشبية أخرى، بعد أن هجرته الغالبية الساحقة من مصوتي المهاجرين “الجدد” من دول الاتحاد السوفييتي في العقود الثلاثة الأخيرة.

ويعرف ليبرمان تماما، أن الليكود لن يقبل بحكومة وحدة ثلاثية، ولن “يبيع” حلفاءه الأقوى، “الحريديم”، لأنهم الأكثر ضمانا له. ولهذا فإن أمام ليبرمان، إذا كان لا يريد انتخابات ثالثة، أن ينضم لحكومة اليمين الاستيطاني، برئاسة بنيامين نتنياهو، وقد يحصل على “جائزة ترضية”، ولكنها ستكون أبعد ما تكون عن قائمة طلباته، التي نشرها مساء الخميس الماضي.

تعثر التواقيع

حتى مساء اليوم الأحد، تقول التقارير إن الليكود لم ينجح في جمع التواقيع الـ 61، وأن المشكلة كامنة في كتلتي الحريديم، اللتين، كما يبدو، تتخوفان من أن يقدم الليكود تنازلات لليبرمان، ترفضها الكتلتان، ولكن جمع تواقيع النواب الـ 55 لن تكون مشكلة، في حال تلقى الحريديم تطمينات من نتنياهو.

وفي المقابل، فإن كحول لفان، هو يعرف أيضا أن جمع تواقيع 61 نائبا، هي مشكلة أكبر من ناحيته، فهذا يعني أنه سيضطر للتوجه للقائمة المشتركة، التي لم تعلن موقفها بعد، وبعد تجربة القائمة المشتركة مع “كحول لفان” قبل تقديم التوصية بغانتس، من شأنها أن تعيد الكثير من الحسابات، بما في ذلك شكل تعامل كحول لفان، وليس واضحا أي شيء حتى الآن، فتجاوب كحول لفان مع مطالب سياسية ومدنية للقائمة المشتركة، مثلا، وعلى سبيل الافتراض، سيردع ليبرمان عن تقديم دعم لغانتس، ناهيك عن الموقف في داخل كتلة “كحول لفان”.

ولكن السؤال المركزي في هذا الشأن، متعلق بالكتلتين الأكبرين، الليكود وكحول لفان، فمسألة من يرأس الحكومة أولا، لم تعد مسألة مكسب سياسي حزبي، بل مسألة تتعلق أساسا بنزاهة الحكم.

فبنيامين نتنياهو يصر على رئاسة الحكومة أولا، بزعم أنه يرأس التحالف الأقوى والأكثر متانة، 55 نائبا، من دون ليبرمان، مقابل 44 لكحول لفان مع كتلتي العمل وميرتس.

ولكن السبب الحقيقي وراء هذا الإصرار، هي لوائح الاتهام التي تطارد نتنياهو، فمعنى أن لا يتولى رئاسة الحكومة أولا، أن لا يكون وزيرا في الحكومة، لأن القانون واضح في نصه، بمنع وزير البقاء في منصبه في حال قدمت ضده لائحة اتهام، ويعرف نتنياهو أن لا أمل له في الحصول على حصانة برلمانية، بعد أن فاجأ ليبرمان في الأسبوع الماضي برفضه تقديم دعم لنتنياهو لضمان الحصانة البرلمانية، ومنع محاكمته طالما هو عضو كنيست، أو وزير أو رئيس حكومة.

وفي المقابل، فإن كحول لفان لا يستطيع القبول برئاسة بنيامين نتنياهو أولا للحكومة، ولو لبضعة أشهر، بحسب ما يُنشر، لأن في هذا نقض لكل المواقف التي أعلنها من قبل، ومطالبته باستقالة نتنياهو من الحكومة، بسبب لوائح الاتهام. وقد أكد قادة كحول لفان اليوم الأحد، أن لا خلافات بينهم في هذا الشأن، وهي خلافات يدعيها وينشرها حزب الليكود.

المشهد ضبابي للغاية، إذ أن مدة الأيام الـ 21 تنتهي يوم الأربعاء 11 الشهر الجاري. وأمام هذه المواقف، فإن أي حزب، إن كان حزب ليبرمان، أو كتلة “كحول لفان”، أو الليكود، يقدم تنازلا بما ينقض مواقفه، فإن هذا سيقوده للانتحار السياسي في أول انتخابات تالية، خاصة وأن هناك قناعة، بأن أي حكومة ستقوم في هذه الظروف، ومن دون انتخابات ثالثة، سيكون عمرها قصيرا، كما سبق وذكر.

كل الاحتمالات واردة، ولكن احتمال الانتخابات الثالثة، عاد ليتقدم الاحتمالات الأخرى، ولو بقليل.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .