دفع أفيغدور ليبرمان نفسه الليلة الماضية، الى واجهة السياسة، ليلعب دور “السياسي المسؤول”، وأنه هو وحده “بيضة القبان”، التي ستقرر شكل الحكومة المقبلة؛ فأعلن أن على الكتلتين الأكبرين، ابداء تنازل؛ ومن ترفض، فإن ليبرمان سيكون ضدها لصالح الأخرى.
ولكن هذا التهديد لم يقلق زعيمي الكتلتين، الى هذا الحد، إذ أن الليكود يريد ليبرمان راضخا أمام تحالفه، ويهدد بانتخابات ثالثة، فيما كحول لفان يرى أن “تهديدات” ليبرمان أخف وطأة عليه، وممكن أن يبتلع الضفدع.
ورغم أن احتمال الانتخابات ما تزال الأقوى ولو بـ 1%، فإن كل الاحتمالات واردة.
وكان ليبرمان قد طالب كحول لفان، بقبول المسار الذي عرضه رئيس الدولة رؤوفين رفلين، لدى تكليف بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة المقبلة، يوم 25 أيلول الماضي. وثانيا أن يفكك الليكود تحالفه المتماسك مع باقي كتل اليمين الاستيطاني والحريديم بضمنهم.
مسار ريفلين
ويقضي مسار رفلين، أنه في حال كان على نتنياهو اقصاء نفسه عن صلاحياته، فإن كامل الصلاحيات تنقل للقائم بأعماله، بيني غانتس.
ورغم أن غانتس وقادة كحول لفان، رفضوا أصلا المسار، ورفضوا أن يكون نتنياهو رئيس الحكومة في المناوبة الأولى، إلا أن الليكود طرح ما هو أصعب، وهو تفسير الاقصاء، بما لا يمكن لكحول لفان القبول به، وهو أن نتنياهو سيكون مضطرا لإقصاء نفسه عن صلاحياته، ليس لدى صدور قرار نهائي بتقديمه للمحاكمة، بمستوى تهم تمنعه من مواصلة عمله في السياسي في حال أدين بها، وإنما فقط بعد صدور قرار ادانة أولي ضده في المحكمة.
لذا فإذا ما أعلن كحول لفان قبوله بمسار رفلين، فإن العقبة التالية ستكون تفسير وتحديد توقيت الاقصاء عن الصلاحيات.
ولكن في كحول لفان خلاف، يقال إنه شديد، بشأن رئاسة نتنياهو أولا للحكومة، إذ أن حزب “يش عتيد” يعارض بشدة هذا الخيار، فيما يبدي الحزبان الآخر، “مناعة لإسرائيل” برئاسة بيني غانتس، و”تيليم” برئاسة موشيه يعلون، نوعا من الليونة في هذا المجال.
ولكن ليس واضحا، ما هي جدية التقارير التي زعمت أن يش عتيد، يهدد بالانسحاب من كحول لفان، في حال تولى نتنياهو رئاسة الحكومة أولا.
تفكيك تحالف الليكود
من المؤكد أن الليكود سيرفض رفضا كاملا طلب ليبرمان تفكيك تحالفه مع باقي أحزاب اليمين الاستيطاني وبضمنهم الحريديم. فهذا التحالف حصل على 53% من أصوات اليهود، وهذا مرتكز قوة لنتنياهو أمام الصوت الأعلى للرأي العام الإسرائيلي. والليكود بنى لنفسه حصنا سياسيا، فيه التقاء مصالح كبير مع هذه الكتل، التي ستقف الى جانبه أيضا في أي انتخابات مقبلة.
وقد عبّر نتنياهو عن تمسكه بهذا التحالف في نهاية الأسبوع، بأن عيّن زعيم حزب “اليمين الجديد” نفتالي بينيت، وزيرا للحرب في حكومته الانتقالية، بعد أن كان قد فصله من وزارة التعليم في مطلع شهر حزيران الماضي.
وهدف ليبرمان من طلب التفكيك، هو استبعاد الكتلة الأشد تطرفا في اليمين الاستيطاني، “البيت اليهود- هئيحود هليئومي”، ليس بسبب مواقفها السياسية، وإنما بسبب تزمتها الديني، الذي عبّر عنه وزير المواصلات بتسلئيل سموتريتش، وأيضا وزير التعليم رافي بيرتس.
كذلك يطمح ليبرمان الى أنه سيكون بالإمكان استبعاد كتلتي الحريديم عن الحكومة، وبذلك فإن السطوة الدينية ستكون أقل، بحسب ما يحلم به ليبرمان، إلا أن الليكود سيرفش كل طموحات ليبرمان في هذا المجال؛ وبالإمكان القول، إن الليكود مستعد للتمسك لهذا التحالف، أيضا بثمن انتخابات ثالثة، يقال إن نتنياهو معني بها.
غياب السياسة واحتمالات الانتخابات الثالثة
في كل الجدل القائم، وكل العقبات أمام تشكيل الحكومة، تغيب السياسة والموقف من القضية الفلسطينية، وشكل التعامل مع الاحتلال والاستيطان، وإذا جمعنا التصريحات التي صدرت، على الأقل في الأسبوعين الأخيرين، ويضاف لها النص الواضح في البرنامج السياسي لكحول لفان، سنرى أن لا خلاف سياسي بين كتلتي الليكود وكحول لفان، ولا بين كحول لفان واليمين الاستيطاني.
فنذكر على سبيل المثال، تصريح زعيم “يش عتيد” قبل أقل من أسبوعين، حينما قال، إنه من الممكن تشكيل حكومة مع الليكود في غضون 48 ساعة، إذا قبل نتنياهو أن يكون ثانيا في المناوبة على رئاسة الحكومة.
كذلك فإن النائبين حيلي طروفر ويوعز هندل، من كحول لفان، وهما من حزب “تيليم” بزعامة موشيه يعلون، أبلغا وزير التعليم رافي بيرتس، زعيم “البيت اليهودي”، أن حكومة برئاسة بيني غانتس ستكون على استعداد لضم فوري لغور الأردن وشمال البحر الميت، في الضفة المحتلة.
تهديدات ليبرمان في نهاية المطاف لن تجعل الكتلتين الأكبرين، للركض نحو خط النهاية، فليبرمان الذي يطرح مطالب “السياسي المسؤول”، بحسب زعمه، قلق أيضا من انتخابات ثالثة، ستشتد فيها المنافسة بين الكتلتين الأكبرين، ما يهدد كل الكتل الأخرى، باستثناء “القائمة المشتركة” وكتلتي الحريديم، لأن لكل منها جمهور ليس طرفا في حالة الشقاق القائمة بين ما يظهر وكأنه معسكرين.
فكحول لفان، يشكل خطرا على واحدة من كتلتي “العمل” و”ميرتس”، مع تحالف كل واحدة منهما، إذا لم تتوحد الكتلتين.
كذلك فإن الليكود يشكل تهديدا أقوى على أحزاب اليمين الاستيطاني الأخرى، حليفته. وفي ظل هذا التقاطب الإسرائيلي الداخلي، فإن ليبرمان سيدفع ثمنا من حيث التمثيل، ولكنه ليس مهددا بالتلاشي.
حسب القانون الإسرائيلي، فإن مهلة غانتس تنتهي مساء يوم 20 الشهر الجاري. بعدها يمكن لرئيس الدولة أن يمنح الكتل البرلمانية فرصة عرض مرشح آخر، أو حتى تكليف أحد الاثنين مجددا نتنياهو أساسا أو غانتس، ولكن الشرط أن يوصي به 61 نائبا على الأقل، وتكون المهلة له 21 يوما فقط.
بمعنى أنه إذا لم تحدث مفاجأة، وتشكلت حكومة حتى يوم الأربعاء 20 الشهر الجاري، فإن احتمال عودة ليبرمان الى الحضن الطبيعي له، مع الليكود وحلفائه، أمر وارد بعد انتهاء فترة تكليف غانتس، خاصة وأن ليبرمان الذي تورط بالفساد سابقا، ليس في وارده كل التهم الموجهة لنتنياهو، لا بل يدافع عنه.
حتى الآن، بالإمكان القول، إن احتمال انتخابات ثالثة يبقى أكبر ولو بنسبة 51%.
(برهوم جرايسي ـ الناصرة)