سنبحث في الموسم الأوّل، الذي تفتتحه جاليري فتوش الكبيرة تحت ثيمة “جغرافيا سائلة”، في معنى المكان في الفنّ المعاصر. منطلقين من مدارك علاقة المكان المتحوّلة والسائلة بالفرد والجماعة. فالمكان والحدود والخرائط التي وضعها البشر بعد نشوء فكرة الدولة، وإن بدت متصلّبة وثابتة، تُنشئ علاقاتٍ مركّبة مع أصحابها المنتمين واللامنتمين إليها، الشرعيين والممنوعين عنها، سيّما في الجغرافيا المشرقيّة التي تتغذى على اللجوء والنزوح والحروب والحظر.
نحن نؤمن أنّ بإمكان آداب المجتمعات أن تقدّم اقتراحاتٍ وربّما استنباطاتٍ جليّة حول علائق الأفراد بزمانهم ومكانهم. والفنون البصريّة كإحدى روافدها تشكّل وسيلةً حيّةً وتوثيقًا حقيقيًّا لهذه العلائق، خاصّةً وأنّها تتفوّق على اللغات المحليّة لهذه المجتمعات.
لقد اخترنا هذه الثيمة لما فيها من ارتباط عضويّ بحياتنا المعاصرة، ومن تأثير على هويّاتنا السياسيّة والاجتماعيّة والنفسيّة كشعوب وأفراد. فسؤال الهويّة وهويّة الفنّ الجغرافيّة/ الوطنيّة، أصبح في زمن العولمة واللجوء الهادر للمجتمعات من أوطانها سؤالاً ذا إجاباتٍ ضبابيّة ومعقّدة. فما معنى الجغرافيا الفلسطينيّة؟ هل يعدّ المنفى جزءًا منها؟ وما معنى أن نقول “الفنّ الفلسطينيّ”؟ وهل للجغرافيا حصّةٌ في تحديد هُويّته؟ بالرّغم من هذه الضبابيّة، إلا أنّ الفنّ المُنتج ضمن هويّاتٍ مهدّدة يحتاج إلى هذا التحديد من أجل يثبّت هويّات سياسيّة جمعيّة هو أيضًا ينبت وينبع منها. عند هذه النقطة، بالإمكان الحديث عن الجغرافيا كفكرة وليس كمكان فيزيائيّ. فكرة تستطيع أن تورّث من الآباء أو أن تُكتسب بالتجربة الشخصيّة.
سنتحدّث عن المكان/ الفكرة ليس بوصفه وطنًا ممنوعًا، بل بوصفنا مغتربين بداخله أيضًا، غرباء فيه، صنّاع لأماكن جوّانيّة بديلة، فيكون الفنّ أحد أشكالها.
هذا الموسم هو باب مفتوح على الأسئلة وليس على الإجابات، سنقوم فيه بالإضاءة على أعمال فنيّة متعدّدة الوسائط لفنانين محليين وعرب، وعلى تجارب فنيّة وفكريّة وأكاديميّة متنوّعة ستصبّ في موضوعة الموسم العامّة.