نزيه حسون شاعر وطني ملتزم مرهف الاحساس ، صادق الاداء ، وصوت جميل عذب في حدائق الشعر الوطني الانساني والغزلي الوجداني . عرفناه منذ سبعينات القرن الماضي من خلال قصائده التي كان ينشرها في أدبيات الحزب الشيوعي ” الاتحاد ” و” الجديد ” و ” الغد ” .
وكنت تعرفت على نزيه حسون شخصيًا في أحد مخيمات العمل التطوعي في الناصرة ، التي كان يشارك فيها ويلقي قصائده في أمسيات المخيم .
أصدر نزيه ديوانه الشعري الاول العام 1980 بعنوان ” ميلاد في رحم المأساة ” وكنت كتبت مداخلة عنه نشرت آنذاك في مجلة ” الكاتب ” المقدسية ، لصاحبها الشاعر والكاتب أسعد الأسعد ، وتبعه بديوانه الثاني ” أبحث عن جسد يلد النصر ” في العام 1983 ، بعد ذلك صدر له كتاب ” أروع ما قيل في توفيق زياد ” العام 1997 ، ثم توالت بالصدور كتبه دواوينه ” سمفونية الحزن المسافر” ( 2006 ) ، و ” مزامير من سورة العشق ” ( 2007 ، و ” تأخذ القصيدة ملامحك ” ( 2008 ) ، و ” أبحث عن وطني في وطني ” ( 2009 ) و ” عشق على سفر ” ( 2010 ) و ” ما تيسر من عشق وطن ” (2012 ) ، ولآلئ الفكر ” ( 2013 ) ، و ” لحظة عشق تشعلني ” ( 2013 ) .
وهو يكتب القصيدة العمودية الكلاسيكية ، وقصيدة التفعيلة ، والقصيدة الحديثة ، ويجيد الكتابة بكل الالوان والانواع .
نزيه حسون شاعر ملتحم وملتصق بقضايا وطنه وشعبه وأمته ، فهو ابن الوطن الفلسطيني ، يعيش مأساته وهمومه الصغيرة والكبيرة ، وجراح شعبه ومعاناة أمته .
وفي كل كتاباته يمزج نزيه حسون بين حبه لوطنه وحبه للمرأة المعشوقة ، فالمرأة وطن ، والوطن امرأة يعشقها بكل أحاسيسه ونبضات قلبه ، والعنوان العريض لقصائده هو العشق بكل ما يمثله من وجد وشوق وحنين ونبض وجدان وعواطف جياشة ملتهبة ، واندماج عاطفي . ويوظف لغة الغزل والعشق للتعبير عن ارتباطه والتصاقه بالوطن وجغرافيته وانسانيته ، والبوح عن مشاعره الوطنية والوجدانية بأعذب الكلام وأرقه ، فلنسمعه يردد قائلًا :
أرض الجليل الى عينيك يحملني عشق يكاد بنار الشوق يصليني.
هذي زهورك والأفنان باسقةٌ تنمو بروحي على هباتِ نسرين
هذي ربوعك بالزيتون قد غرست على السفوح كروم اللوز والتين
أرض الجليل واين الدرب يلقيني ما عاد اغراء النساء يثيرني
انت النساء جميعهن اميرتي لكني في الحب فارسك الوحيد.
وتتسم قصائد شاعرنا نزيه حسون بالحس الجمالي ، والرقة والعذوبة والرهافة والشفافية والعفوية الجميلة ، والصور الشعرية المبتكرة الجديدة التي تضفي على المشاهد التي ترسمها دينامية تجعل القارئ يستحضرها في علاقة بما تشير اليه من قضايا وهموم انسانية ورؤى فكرية وجمالية .
نزيه حسون صاحب شاعرية متوقدة ، مرهف الاحساس بفكرة الحب ، يحلق عاليًا بلغة شعرية مصطفاة ، يراقص النجوم ، ويغني الحلم ، ويطرد الأحزان من النفوس ، وينسج من خيوط الشمس جداول ماء على خدود الانهار ، ويرسم بريشة فنان همسات ندى ولحن القلوب . وتحتشد قصائده بالصور الجديدة والتشبيهات والاستعارات والوان البديع ، وينجح بالجمع بين الايجاز والمجاز والرمز واستخدام لغة الروح التي تصعد الى قمة التكثيف ، وينساب داخل ايقاع بسيط وهادئ يمتد في رؤى رومانسية بأقصى صورها وأشكالها ومجازاتها :
يَزْدادُ جُرْحُ القَلْبِ إنْ هَبَّ النَّوّى
وَالقَلْبُ إنْ هَبَّ زَادَ اتِسَاع
إنِّي عَشِقتُكِ قَبَلَ مِيلاد الهَوَى
قَبْلَ انبِلاج النُّور في الكونِ المُشَاعْ
وَرَضِعْتُ هَذا العِشقَ مِثلَ مُتَيمٍ
قلبي لأَمْرِ العِشقِ يَنْصاعُ انصِياع
عجَبَا لِنارِ العِشقِ تَكوي رُوحَنَا
وَنَظَّلُ نَهْرَعُ نَحْوها مِثلَ الجيَاع
إنِّي سأرثِي في بُعَادِكٍ مُهْجَتي
وأقول ُ يا قَلْبِي عًلى الدُّنْيَا الوَداعْ
وفي الاجمال نصوص نزيه حسون متنوعة الاغراض والموضوعات منها الوطنية والغزلية الوجدانية الانسانية ، وما يميزها أسلوب الطرح الذي يجمع جمال المبنى وكمال المعنى ، إضافة الى الرومانسية التي تطبع روح القارئ بمشاعر انسانية راقية تأخذه الى عوالم وآفاق جميلة تخفف من وطأة الواقع القاسي ، وهي بمنتهى الروعة والبساطة والعمق والجمال التعبيري والاحساس الشفيف الصادق .
وتحية خالصة وباقة ورد للصديق الشاعر الجميل العذب نزيه حسون ، متمنيًا له المزيد من العطاء والابداع الشعري .