صدِرَ مؤخّرًا تقرير مراقب الدولة عن السّلطات المحليّة للعام 2019 الذي ينظر عن كثب بأحوال السّلطات المحليّة، يضعها تحت المجهر، وَينظر في عملها في عدّة مرافق وعلى عدّة مستويات – الإدارة الماليّة، الأيدي العاملة، عقود عمل ومناقصات، تعيينات وغيرها. إنّ التّقرير يعنى بأحوال السّلطات المحليّة، عربيّة ويهوديّة على حدّ سواء، إلاّ أنّه من منبرنا هذا، ومن لوعتنا وغيرتنا على بلداتنا العربيّة، ارتأينا أن نخصِّصَ مقالنا لمناقشة أحوال سلطاتنا العربيّة بالاعتمادِ على تقرير المراقبة، هادفين أن نزوّد القارئ بمعلوماتٍ عنِ السّلطة الّتي تحميه وتمثّل حاجياته علّنا نحثّه على المتابعة والمراقبة والمساءلة والمحاسبة. إنّ الناظر والمتَمعّن في التّقرير، وخاصّةً في الصّفحات العربيّة (نقصد المخصّصة للسّلطات العربيّة)، لا يسعه إلاّ التّوقّف ثمّ إبداء التّأسّف. إذ أنّ صفحاتنا تعجّ بالقصور وبسوءِ الأمور وقلة المهنية مما يولد الفساد والفوضى وسوء الإدارة.
في مقالنا هذا اخترنا التطرق لجزء من المواضيع والقصور المطروحة في التقرير التي يهمنا ايصالها للقارئ، لكن هذا لا يعني أن الجزء الآخر من المواضيع يقل أهمية عن المواضيع المطروحة في هذا المقال.
على سبيل المثال، يسلط التقرير الضوء حول موضوع التعيينات غير القانونية، إن كانت دون نشر مناقصة، تعيينات لأشخاص لا يستوفون شروط المنصب، تعيينات مؤقتة غير قانونية وتعيينات مخالفة للنظم القانونية التي تمنع توظيف الأقارب. فمثلاً، يشير التقرير إلى أنه لحصة كبيرة من موظفي مجلس بقعاثا المحلي (65 من أصل 99) روابط عائلية الواحد مع الأخر، أمّا في مجلس مجدل شمس المحلي هنالك 70 موظف من أصل 146 تربط بينهم روابط عائلية الواحد مع الآخر، وكذلك الأمر في مجلس مسعدة المحلي وفي مجلس عين قنية المحلي. في نفس السياق، وبحسب التقرير، في مجلس مجدل شمس المحلي تم تعيين أخت رئيس المجلس لمنصب مديرة القوى العاملة دون نشر مناقصة ودون إصدار كتاب تعيين، رغم أنها لم تستوفي شروط المنصب. التعيينات غير القانونية والمحسوبيات هي إحدى الظواهر الرائجة في السلطات المحليّة، والتي تخلّ بمبادئ مركزية في الحكم المحلي كالشفافيّة والمهنية والمساواة في فرص العمل.
بالانتقال من قضية التعيينات غير القانونية إلى قسم الأمن والأمان، يرصد التقرير عدة سلطات محلية عملت في منطقة نفوذها عشرات رياض الأطفال دون تقارير الأمان. وهذا قصر جدير بالتعجّب! فمن أحق من أطفالنا بتوفير الأمان لهم؟ وكيف للسلطة المسؤولة عن أمان سكانها بأن تستهتر كل هذا الاستهتار بأمان أطفالها؟ هذه الأسئلة تليها أسئلة أخرى، ماذا تراها أحوال رياض الأطفال في تل السبع واللقية التي عملت دون تقارير الأمان والتي يتردد اليها أطفالنا يوميًّا ويقضون فيها ساعات وساعات؟ ماذا تراها أحوال رياض الأطفال في الطيرة التي قدمت البلدية تقارير الأمان السنوية الخاصة بها وتقارير حول جهوزية أنظمة الكهرباء والإطفاء لوزارة التربية والتعليم دون القيام بالفحوصات المطلوبة قبل إرسال التقارير؟ أضف الى ذلك أن بلدية الطيرة، وخلافاً لتوصيات وزارة التربية والتعليم، تعمل منذ سنوات دون إشغال وظيفة مدير الأمن في مؤسسات التربية والتعليم مما يشكل خطراً على الطلاب. للأسف، يعرض التقرير وضع مقلق جدًّا لعدم قيام بعض السلطات المحلية بأهم مسؤولياتها (وهو توفير الأمان) تجاه أطفالنا وطلابنا.
أمّا في الجباية بسلطاتنا، فيسجّل التّقرير عدة سلطات محلية منحنَ تخفيضات غير قانونيّة في الأرنونا، وسلطات محلية أخرى تقاعست في جباية الأرنونا مما أدى إلى خسارة مدخولات تقدر بملايين الشواقل. وبجملةٍ استطراديّة – يذكرُ أنَّه لمنح تخفيضات في الأرنونا توجد قوانين صارمة، ذلك لأنّ الجباية هي أحد مصادر الدخل الأساسية إذ على السّلطة المحليّة التّعامل مع الموضوع بحذر ومساواة لضمان الحفاظ على خزينة الجمهور. منح تخفيضات غير قانونيّة يثير الشّكّ حول هويّة المستفيدين، ويُسأل (وبحقّ) هل المستفيدين منَ المقربين والمعارف؟ على سبيل المثال، يشير التقرير أن بلدية باقة الغربية منحت ستة أعضاء بلدية تخفيض بقيمة 80% دون أن يرفق الأعضاء المستندات الثبوتية المطلوبة حسب القانون، إضافة إلى أنها لم تتخذ الخطوات القانونية لجباية ديون 50 موظف في البلدية وصلت ديونهم المجتمعة إلى مبلغ 4.5 مليون شاقل، ولم تتخذ الخطوات القانونية لجباية ديون 220 مدينين وصلت ديونهم المجتمعة إلى مبلغ 11 مليون شاقل. يذكر أن قصور مشابهة سجلت في اللّقية وعين قنية.
إنّ سطورنا السّابقة تتجمّع معًا لتكوّن فسيفساءً لإدارة غير سليمة وخروقات قانونية في السّلطات المحليّة العربيّة، فكما أسلفنا إنّ القصورات متعدّدة ومتلوّنة، وليست قصرًا ولا حصرًا على مستوى معيّن. هذه المعطيات ذات إسقاطات بعيدة المدى علينا كسكّان في هذه البلدات وهذا كلّه ينعكس في جودة الخدمات الّتي نتلقّاها، بخدمات التّربية والتّعليم، جودة البيئة، البنية التحتيّة، سوق العمل، وغيرها. وهنا علينا كسكّان في هذه السّلطات، وكمتلقين مباشرين لخدماتها (وكمتضررين أوائل من عجوزاتها) الالتفات والانتفاض. فأوّلا وآخرًا نحن صنّاع القرار وبأيدينا قوّة هائلة للتغيير والتّأثير.
المحامون ريماز خطيب ونضال حايك من طاقم جمعيّة “محامون من أجل إدارة سليمة” الّتي تعمل لتطوير الإدارة السّليمة في السّلطات المحلّيّة العربيّة.