أهدانا الصديق الشاعر الإعلامي ، ابن عرابة البطوف المقيم في زهرة المدائن ، محمد بكرية مشكورًا ، مجموعته الشعرية الجديدة ” لا تسافر أيّها الحلم ” الصادرة عن دار ” يافا العلمية ” للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان ، وهي المجموعة الرابعة التي يصدرها بعد ” على المقعد المهترئ ” ، و” روح محمولة على الريح ” و ” على صراط من الوهم ” .
جاءت المجموعة في 100 صفحة من الحجم المتوسط ، وتتضمن اضمامة من قصائده الجزلة المتينة وعميقة المعاني والأبعاد ، التي تحمل الطابع الإنساني والسياسي والتاريخي ، وراجعتها لغويًا عقيلته الاذاعية سماح حسنين بكرية ، وأهداها إلى ” والدتي التي مشّطت بيدٍ وجه الارض وحلبت الغيمَ بيدها الثانية حتى تفتّق زرعُها .. زوجتي الغالية سماح .. شقيقتي الكبرى نوال “أم ماجد ” ، أمّنا ، ضوء الفجر إنْ عبست الأيام ُ واسودّتْ سماؤها .. صديقّاي الصغيران ، غسان وإبراهيم ياسين بكرية ، علّ الأيامَ تبشّرُ بمستقبل أكثر بهاءً وأمنا من الحاضر ” .
وكتبت الاديبة د. راوية جرجورة بربارة مقدمة شمولية غاصت وابحرت ونفذت إلى عمق قصيدة محمد بكرية المدجج بالثقافة التراثية والتاريخ والجغرافيا ، وتغني كلمتها عن القراءات النقدية والاستعراضية ، ولا تترك أي شيء للناقد قوله ، ومما قالته : ” كل قصيدة حملت صليبها وسارت درب الآلام لتصلب الحقيقة امامَنا هناك على الجلجلة . تصلبَ أمامنا آهات حلب ، وتمسح دمع الشام ، وتقلب مفاهيم النبوّة في زمنٍ قدْ اختمَرَتْ فيه الأرض من دمٍ الأطفالِ ، واصبحت بدايات قابيل وهابيل أحداث ايّامنا الحاضرة ، في زمنٍ يقتل فيه الأخ أخاه ، وتقتل فيه الكلمات وجه الصفحات وتخدش حياة صمتِنا ” .
والقصيدة لدى الشاعر محمد بكرية هي بوح ورسم وانسياب وتعبير عن الواقع والحلم والأمل والحنين إلى الماضي والتداعي الكوني ، فينحت حلمه المُلَوّن بالكلمات ، راسمًا صورة للواقع والعلاقات البشرية في عالم موحش ، رابطًا بين الماضي والحاضر والمستقبل ، كل ذلك بروح إنسانية خالصة ، ونفس درويشي ، واتكاء على التاريخ ، حاضنًا القول بالتناص والأسطورة والجغرافيا والدين وسفر التكوين ، بين سحر ودهشة الكلمة وعنفوان الحلم وجزالة التعبير ، وصدق المعاني .
وتحفل قصائد الديوان بالأبعاد التاريخية والدلالات العميقة الموحية ، ومن يبغي قراءتها واستيعابها وفهم مبتغاها ومعانيها ورؤاها ، فعليه ان يكون مسلحًا بثقافة تراثية دينية ، ملمًا بالتاريخ والجغرافيا والأديان ، فهو يوظف الكثير من الأسماء والأحداث والامكنة التاريخية والرموز الدينية والأسطورية والشخصيات الفكرية والفلسفية ، وحسنًا فعل محمد حين خصص هوامش في نهايات قصائده للتعريف بهذه الشخوص والرموز والاحداث والمعارك التاريخية .
وقصائد محمد بكرية تزخر بالحياة والحيوية ، يسجلّ فيها عالمًا كاملًا معبأ بالمآسي والحروب والعنف والأسى والغضب ، ويرسم بألسنة النار المتأججة في اعصابه وتهاويل الحلم الجاحظ في عينيه ، الخط البياني الذي يصل ما بين الحرب والسلام ، بين الكراهية والمحبة ، بأسلوب ناضج يعتمد الصورة والإيحاء والرمز والرؤية والرؤيا ، والغوص في أعماق النفسية العربية من خلال تداخل رائع بين الماضي والحاضر ، يمدَّ قصيدته بالحياة والحركة والدينامية والتوهج ، ويوحي لنا أننا لم نكن وانتهينا ، بل كنا ونكون .
ويتميز محمد بكرية عن غيره من الشعراء بأنه يتجدد بشكل دائم ، مستفيدًا من قراءاته وتجاربه ، فهو يغير أساليبه وأدواته ، مع المحافظة على مواضيعه ومضامينه وأشكاله التعبيرية الفنية الجمالية ، ويقوم الايقاع الداخلي في قصيدته مقام النغم الصاخب الذي لا يعرف السكون إلا لحظة التحول لانغام جديدة ، أكثر غنى ، واكثر تعبيرًا ، ينظمها عقد مفردات وكلمات تحمل اللون والضوء والشحنات العاطفية الانفعالية بالحدث ، والحيوية ، التي تشكل بمجملها عناصر الميلاد الذي يفتح أمامه حقلًا معرفيًا واسعًا من التطور والحركة الدائمة .
ونلمس في ثنايا قصائد المجموعة شظايا مرارات الواقع إلى حد الرؤية القاتمة ، فهو حزين حتى درجة الموت ، روحه تتوجع وتتألم ، ونفسه تئن ، ويوظف ويسخر أفكار حادثة صلب السيد المسيح ، الذي اكتأبت نفسه أيضًا حتى الموت ، ومصدر الاكتئاب القديم والحديث واحد .
محمد بكرية هو شاعر الدهشة والتمرد والصخب ، وشاعر الانسانية والمعنى بما يخفيه من رموز واشارات ، ويستنبطه من تأويلات في أزقة القهر والوجع اليومي والتردي ، عرف كيف يستفيد من التراث الذي تمثله واستوعبه واعتمده كمسوغ يدعم رأيه وموقفه وبنية قصيدته ، التي نشأت وولدت في بؤرة التوتر واللهب والغليان والاحترابات الداخلية والصراعات الطائفية والمذهبية والعشائرية والعائلية .
ومن مناخات الديوان قصيدة عن حلب الشهباء ، التي استوحاها مما جرى في هذه المدينة السورية من إراقة دماء وتهجير وتغريب وخراب ودمار في البنى التحتية ، واكتوت بلهيب الحرب المجنونة الطويلة بين قوات النظام السوري وبين قوى المؤامرة والارهاب والظلام الداعشية بكل مسمياتها ، فلنسمعه يقول بكل وجع ومرارة :
آهٍ ، آهٍ ، يا حَلَب
دمعُ العَينِ قد نَضَب
شُدّي أزرَكِ وارفعي عنكِ هذا الوَصَب
فجَري الارضَ والسما نارًا وغضبَ
آه يا حَلَب،
أيستكينُ حَبْلُ الوتينِ وعلى فَرْجكِ يلهو هذا المُغْتَصِب ؟؟
آه يا أطفالَ حلَب،
كونوا طيورَ الأبابيلٍ
ترميهم بحجارةٍ من لَهب
ويمكننا أن نقرر في النهاية أن محمد بكرية في مجموعته الشعرية ” لا تسافر أيّها الحلم ” نجح في تقديم صورة للأبعاد الإنسانية للمأساة الكونية الحقيقية ، وأصاب نجاحًا لا بأس به يعد ويبشر بنجاحات أخرى فيما لو تابع وواصل الكتابة في هذا المضمار . فله التحية وخالص الود ، وتمنياتي له المزيد من العطاء والتألق والاصدارات الأخرى ، وإلى أمام .
جاءت المجموعة في 100 صفحة من الحجم المتوسط ، وتتضمن اضمامة من قصائده الجزلة المتينة وعميقة المعاني والأبعاد ، التي تحمل الطابع الإنساني والسياسي والتاريخي ، وراجعتها لغويًا عقيلته الاذاعية سماح حسنين بكرية ، وأهداها إلى ” والدتي التي مشّطت بيدٍ وجه الارض وحلبت الغيمَ بيدها الثانية حتى تفتّق زرعُها .. زوجتي الغالية سماح .. شقيقتي الكبرى نوال “أم ماجد ” ، أمّنا ، ضوء الفجر إنْ عبست الأيام ُ واسودّتْ سماؤها .. صديقّاي الصغيران ، غسان وإبراهيم ياسين بكرية ، علّ الأيامَ تبشّرُ بمستقبل أكثر بهاءً وأمنا من الحاضر ” .
وكتبت الاديبة د. راوية جرجورة بربارة مقدمة شمولية غاصت وابحرت ونفذت إلى عمق قصيدة محمد بكرية المدجج بالثقافة التراثية والتاريخ والجغرافيا ، وتغني كلمتها عن القراءات النقدية والاستعراضية ، ولا تترك أي شيء للناقد قوله ، ومما قالته : ” كل قصيدة حملت صليبها وسارت درب الآلام لتصلب الحقيقة امامَنا هناك على الجلجلة . تصلبَ أمامنا آهات حلب ، وتمسح دمع الشام ، وتقلب مفاهيم النبوّة في زمنٍ قدْ اختمَرَتْ فيه الأرض من دمٍ الأطفالِ ، واصبحت بدايات قابيل وهابيل أحداث ايّامنا الحاضرة ، في زمنٍ يقتل فيه الأخ أخاه ، وتقتل فيه الكلمات وجه الصفحات وتخدش حياة صمتِنا ” .
والقصيدة لدى الشاعر محمد بكرية هي بوح ورسم وانسياب وتعبير عن الواقع والحلم والأمل والحنين إلى الماضي والتداعي الكوني ، فينحت حلمه المُلَوّن بالكلمات ، راسمًا صورة للواقع والعلاقات البشرية في عالم موحش ، رابطًا بين الماضي والحاضر والمستقبل ، كل ذلك بروح إنسانية خالصة ، ونفس درويشي ، واتكاء على التاريخ ، حاضنًا القول بالتناص والأسطورة والجغرافيا والدين وسفر التكوين ، بين سحر ودهشة الكلمة وعنفوان الحلم وجزالة التعبير ، وصدق المعاني .
وتحفل قصائد الديوان بالأبعاد التاريخية والدلالات العميقة الموحية ، ومن يبغي قراءتها واستيعابها وفهم مبتغاها ومعانيها ورؤاها ، فعليه ان يكون مسلحًا بثقافة تراثية دينية ، ملمًا بالتاريخ والجغرافيا والأديان ، فهو يوظف الكثير من الأسماء والأحداث والامكنة التاريخية والرموز الدينية والأسطورية والشخصيات الفكرية والفلسفية ، وحسنًا فعل محمد حين خصص هوامش في نهايات قصائده للتعريف بهذه الشخوص والرموز والاحداث والمعارك التاريخية .
وقصائد محمد بكرية تزخر بالحياة والحيوية ، يسجلّ فيها عالمًا كاملًا معبأ بالمآسي والحروب والعنف والأسى والغضب ، ويرسم بألسنة النار المتأججة في اعصابه وتهاويل الحلم الجاحظ في عينيه ، الخط البياني الذي يصل ما بين الحرب والسلام ، بين الكراهية والمحبة ، بأسلوب ناضج يعتمد الصورة والإيحاء والرمز والرؤية والرؤيا ، والغوص في أعماق النفسية العربية من خلال تداخل رائع بين الماضي والحاضر ، يمدَّ قصيدته بالحياة والحركة والدينامية والتوهج ، ويوحي لنا أننا لم نكن وانتهينا ، بل كنا ونكون .
ويتميز محمد بكرية عن غيره من الشعراء بأنه يتجدد بشكل دائم ، مستفيدًا من قراءاته وتجاربه ، فهو يغير أساليبه وأدواته ، مع المحافظة على مواضيعه ومضامينه وأشكاله التعبيرية الفنية الجمالية ، ويقوم الايقاع الداخلي في قصيدته مقام النغم الصاخب الذي لا يعرف السكون إلا لحظة التحول لانغام جديدة ، أكثر غنى ، واكثر تعبيرًا ، ينظمها عقد مفردات وكلمات تحمل اللون والضوء والشحنات العاطفية الانفعالية بالحدث ، والحيوية ، التي تشكل بمجملها عناصر الميلاد الذي يفتح أمامه حقلًا معرفيًا واسعًا من التطور والحركة الدائمة .
ونلمس في ثنايا قصائد المجموعة شظايا مرارات الواقع إلى حد الرؤية القاتمة ، فهو حزين حتى درجة الموت ، روحه تتوجع وتتألم ، ونفسه تئن ، ويوظف ويسخر أفكار حادثة صلب السيد المسيح ، الذي اكتأبت نفسه أيضًا حتى الموت ، ومصدر الاكتئاب القديم والحديث واحد .
محمد بكرية هو شاعر الدهشة والتمرد والصخب ، وشاعر الانسانية والمعنى بما يخفيه من رموز واشارات ، ويستنبطه من تأويلات في أزقة القهر والوجع اليومي والتردي ، عرف كيف يستفيد من التراث الذي تمثله واستوعبه واعتمده كمسوغ يدعم رأيه وموقفه وبنية قصيدته ، التي نشأت وولدت في بؤرة التوتر واللهب والغليان والاحترابات الداخلية والصراعات الطائفية والمذهبية والعشائرية والعائلية .
ومن مناخات الديوان قصيدة عن حلب الشهباء ، التي استوحاها مما جرى في هذه المدينة السورية من إراقة دماء وتهجير وتغريب وخراب ودمار في البنى التحتية ، واكتوت بلهيب الحرب المجنونة الطويلة بين قوات النظام السوري وبين قوى المؤامرة والارهاب والظلام الداعشية بكل مسمياتها ، فلنسمعه يقول بكل وجع ومرارة :
آهٍ ، آهٍ ، يا حَلَب
دمعُ العَينِ قد نَضَب
شُدّي أزرَكِ وارفعي عنكِ هذا الوَصَب
فجَري الارضَ والسما نارًا وغضبَ
آه يا حَلَب،
أيستكينُ حَبْلُ الوتينِ وعلى فَرْجكِ يلهو هذا المُغْتَصِب ؟؟
آه يا أطفالَ حلَب،
كونوا طيورَ الأبابيلٍ
ترميهم بحجارةٍ من لَهب
ويمكننا أن نقرر في النهاية أن محمد بكرية في مجموعته الشعرية ” لا تسافر أيّها الحلم ” نجح في تقديم صورة للأبعاد الإنسانية للمأساة الكونية الحقيقية ، وأصاب نجاحًا لا بأس به يعد ويبشر بنجاحات أخرى فيما لو تابع وواصل الكتابة في هذا المضمار . فله التحية وخالص الود ، وتمنياتي له المزيد من العطاء والتألق والاصدارات الأخرى ، وإلى أمام .