زهرة الكوسى شاعرة وكاتبة ومثقفة وقارئة مميزة ومبدعة فلسطينية ، عاشقة للحرف والكلمة ، تمتلك ثروة لغوية هائلة، وتجربة عميقة في الحياة .
هي شاعرة الحزن والألم والجراح الفلسطينية ، شاعرة الأرض والوطن والقضية والإنسان ، في يأسه ورجائه وانتمائه ، شاعرة حالمة رائية مألومة مجروحة باحثة في عتمة اللغة عن اشعاع ضوء ، وفي سديم اللاوعي عن منقذ يطل على شمس الحياة والحقيقة .
زهرة الكوسى شاعرة طليعية ملتزمة مميزة ملهمة مهمومة بجرح وطنها وهمه اليومي ، وبألم الغربة ، وبتوسيع أفق القصيدة وارهاف قدراتها التعبيرية البنيوية ، عمقًا ونفاذًا .
زهرة الكوسى تقيم في العاصمة السورية دمشق ، وهي وحيدة بين أخوين ، فقدت أمها مبكرًا ، وهذا ترك أثرًا كبيرًا على شخصيتها ونفسيتها ، والدها محامي ومثقف جدًا ، بعثي ، فلسطيني حتى النخاع ، لم تغب فلسطين عنه يومًا ، وهو الذي تشرد طفلًا عام النكبة 1948 .
ثقافتها ساعدتها بالتمرد على واقعها ، انضمت لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، أيام جورج حبش ، حين كانت على مقاعد الدراسة الثانوية العامة ، وعاصرت آنذاك المناضلين والأسرى الفلسطينيين ، وتركت الجبهة بعد استقالة حبش منها .
اقترنت بالمناضل الفلسطيني المرحوم ابراهيم سلامة ، وهو أسير سابق في سجون وزنازين الاحتلال الصهيوني ، وفي سجن عسقلان تحديدًا ، وتابعت معه حياتها كما كانت عند والدها . وشكلَّ سلامة بالنسبة لها ثروة تاريخية ووطنية وثقافية ، تجد الاجابة عن كل اسئلتها ، ووقفت معه في مشروعه الادبي والثقافي المهمل قبل زواجها منه ، لانشغاله بالعمل السياسي النضالي . وبعد رحيله عن الدنيا بقيت تتابع مشوارها وحيدة إلا من امانته وامانة والدها ، الوطن كل شيء .
اقتحمت زهرة عالم الكتابة والابداع ، وتعداد دراساتها ومطالعاتها وتجاربها في الحياة صقل موهبتها الشعرية الفطرية ، التي كانت تضطرم في أعماقها بتوقد وتوهج ، وتتحين الفرصة للانفجار والتعبير .
كتبت المقالة الأدبية ، ومارست هواية الرسم ، ومع تطور ثقافتها وتنوع قراءاتها ، راحت تكتب الشعر الموزون المقفى الذي ارهقها بسبب التقيد بالوزن ، واضطرها كثيرًا لتغيير الصور الشعرية ليستقيم الوزن ، وسرعان ما اتجهت للقصيدة النثرية والشعر الحر عن عمد وقصد ، وبعد دراسة عميقة وواقعية لمعطيات الشعر الحديث ، وفرت لقصائدها وحدة نموذجية بين الشكل والمضمون في نضج شعري ، ووحدة عضوية حية .
ومن أهم الشعراء الذين تأثرت بهم زهرة : المتنبي ، درويش ، القاسم ، البياتي ، السياب . ومن الكتاب : غسان كنفاني ، نجيب محفوظ ، محمد عبد الحليم عبد اللـه ، عبد الرحمن منيف ، ارنست همنغواي ، فيكتور هوغو ، اجاثا كريستي وسواهم .
صدر لها حتى الآن سبع مجموعات شعرية ، وهي : ” بساط من جمر ، العبور إلى المنفى ، عشق دمشقي ، الحلم المسافر ، الطريق إليك ، أنين الرمال ، قبة السماء ” .
ولها ايضًا كتاب بعنوان ” قبة السماء ” وهو بحث في السيرة الذاتية ، ويشتمل على مذكرات المرحوم زوجها الذي فقدته في العام 2013 وهو في الأسر ، من خلال سؤال وجواب .
وتستعد الآن لإصدار مجموعتها القصصية الأولى بعنوان ” مرايا الماء ” .
زهرة كوسى شاعرة أنيقة تعزف على وطن الألم والأمل ، قالت الشعر منذ صغرها ، وعبرت عن عشقها لوطنها السليب وارضها المغتصبة ، وعن حزنها لبعدها عنه ، وخصصت شعرها لفلسطين وقضية شعبها الوطنية ، وجعلت من أشعارها منارة لكل من اراد ان يقرأ عن وطنها وهمومه وأوجاعه وعذاباته وكفاح أبنائه ، وسكبت فيها ذوب قلبها ونبض عروقها . وأشعارها تخلو من التكلف والصنعه اللفظية ، متسمة بالطوابع السياسية والاجتماعية والانسانية .
وهي تستوحي كلماتها من روحها وقلبها وعقلها وفكرها وثقافتها ، وكتاباتها متنوعة عن الوطن والحزن ووجع الغربة والحبيب / الزوج ، وعن الحب والعشق والأنثى المتمردة ، ومستلهمة من واقع الحياة والحالة السياسية والوطنية .
زهرة الكوسى تؤمن بان الأدب يجب أن يكون للحياة ، للشعب ، للمجتمع ، للمستقبل ، للتوعية الاجتماعية ، والفكرية ، والسياسية ، والثقافية ، ومنحازًا للإنسان وقضاياه المصيرية ولجماهير الطبقات الكادحة .
ونصوص زهرة الكوسى يطغى عليها الحزن والألم والمعاناة والشكوى ، جاءت غزيرة بثروتها الفكرية المعنوية ، ومتأججة في زخمها العاطفي والوجداني .
ومن ناحية النسيج الأسلوبي فقصائدها وأشعارها تتسم بوضوح الفكرة ، وقوة التعبير ، ودقة اللفظ ، وشدة الايحاء ، ومتانة اللغة وسلاستها ، وشفافية البوح والتعبير، علاوة على استخدام الرمز التعبيري ، والاشارة إلى الزمان والمكان ، وما يضفيه ذلك على الشعر من أثر وحيوية . والصورة الشعرية عندها مقدسة لا تفرط بها ، ولا تخدشها .
ومن قصائد زهرة الكوسى اخترت هذه النماذج من ديوانها ” أنين الرمال ” :
على وتري :
………………………..
– في السحاب أبني وطني
يومض البرق
أشق الطرقات
أحرث الغيم
أبذر الدم
ترتاح القبور فوق راحتي
وتغيب في ابحار الأفق
– قالت لي الأسطورة :
إن أطفالي أسراب سنونو
ستحجب الشمس عن بلاد الثلج
ولا تهدي شعاعًا منها
إلا لمساء يعبر الجسر
إلى عرس الفتى الأسمر
– يمر النهر على رؤوس أصابعي
يحمل سرّي
يسيل النور بين ضفتيه
يمعن في حزني
أحاول وقف تصدّع هجرتي
أمضي لعصفور يلتقط بقايا الندى
ووطني أمام بوابة المنفى
يطرق الأبواب
ولا مجيب !
– أسحب الريح من مخابئها بين الشجر
أزنر بها خصر العاصفة
أُعتّق الماء في عينيّ
أقرع باب النبع
يأتيني صفير الريح
يطل الموت من حبة قمح
يرمي صوتي على تلال الشهداء
يثمر في سنين القحط
نورًا ينحدر من شلال دماء
إلى ديجور وطني .
– أصب حنيني على مساحة النار
أقصّ ألسنة اللهب
يترامى الإعصار والإحتراق
وينام في بحر حنيني
– ثورة الشاعر تمشي
إلى منفى الأشباح
تبحث عن حرف ..
تفك به حصاره
زادًا لأموات ..
نهضوا يستقبلون العام الجديد
من شرفة دمي !
……………….
الرحى :
ريشة تحمل سرنا
تحط على جرحنا
تبوح أنّا عُراة بلا وطن
وأنّا حتى الثمالة غارقون في الأحلام
تمدُّ للمستحيل أهدابها
لإستقبال أفراحنا
تهاجر مع الريح
غير أبهة بأوجاعنا
توشوشها أن قيثارة الموت
فوق أجسادنا تكسرت
رغم أننا مثل كل الناس
– في اليوم الأخير
حدثني الطفل الذي اجتاز حدود الحياة
أنه نسي اسمه العربي
في جيب قميصه المحترق
وأنه سعيد في بعده عن صدأ الرثاء
وقال :
قَطَفَنا الموت في القدس
في المنفى
في الخيام
كعاشق يقطف الورد في الأعياد
ولن ننسى ..
في الذاكرة تتدلى عناقيد من رصاص
صهيل الجدران في آذاننا
ولا نسمع البكاء
فنحن لسنا مثل كل الناس
أتعود أمي تعجن الرمل بالغيم
وتخبز على الصاج رجع انتظار !
حدثتني أن الرحى بعد موتي
دارت فوق عظامنا
بذرته زفرات الوهم في مدى الغياب
أننسى دلوًا رميناه في بئر
فانتشلنا دمنا ?
قطّروا المنايا في أفواه انبعاثنا
هتفوا : أنتم مثلنا
لن ننسى ..
فنحن لسنا مثل كل الناس .
زهرة الكوسى جواد شعري بحري ، عتقت أحلام جيل فلسطيني كامل ، تتوالى رحيقًا إلى رحيق ، قمقمها الابداعي لا ينفذ ، وهي الأجمل والأبهى بأشعارها ونصوصها الخلابة في المشهد السوري والفلسطيني الراهن . قصائدها هفهافة ، شفافة ، رقراقه ، وكلماتها باذخة ساحرة ، وحروفها ممطرة سامقة . العاطفة والجمال عناصر جلية وواضحة في قصيدتها ، والهم الوطني والوجع الفلسطيني حاضران بقوة فيها ، ومجامعها الشعرية تحتضن آلامها وأوجاع المنفى والحزن على الوطن .
ألف تحية عابقة بأريج زعتر الكرمل ، وشذا خزامى الجليل ، وعبير نعناع المثلث ، نرسلها للصديقة المبدعة القابضة على جمرة عشق فلسطين ، زهرة الكوسى ، وتمنياتي لها بدوام الابداع والتألق والتميز ، مع التقدير لقلمها السامق وكلمتها الملتزمة التي تعانق روح ووجدان المتلقي .
ملاحظة:الشاعرة توقع اسمها كما جاء في النص اعلاه “زهرة الكوسى”.