شرعيّ بل واجب سياسيّ ووطنيّ أن ينتقد المرء المشتركة وشخوصها، وكلّ ما رافق المشتركة (الأصح القائمة الواحدة) من سلبيّات بدءا بالتناوب وانتهاء ب”قراءة فاتحتها”، وليس سرّا إنّي كنت من القلائل الذين رأوا فيها ومنذ البداية وكتابة، خطا تكتيكيّا واستراتيجيّا وأعدت طرح موقفي هذا كتابيّا وشفهيّا؛ تلفزيونيّا وإذاعيّا وفيس – بوكيّا، طارحا البديل؛ القائمتان المرتبطتان!
كي أكون صادقا معك عزيزي القاريء ومع نفسي أولا، فقلبي مليء بالاحتجاجات على الأحزاب العربيّة، ويكفي أن أنظر إلى البلد التي أعيش فيها حتّى يعجّ قلبي ألما على ما صار فيها منذ انتخابات ال-2013 من تراجع للأحزاب العربيّة وبسبب قصور وسوء قراءة وأكثر، ولن يختلف الوضع في الانتخابات الحاليّة فهي لا تحمل بشائر.
ولكن وبغضّ النظر…
الوقفة الأولى… والمقاطعة المبدئيّة
الموقف المنادي بمقاطعة الانتخابات مبدئيّا ومهما اختلفت التبريرات بدءا؛ بتجميل الديموقراطيّة الإسرائيليّة وما قبله وما بعده وما شابهه، هو موقف فيه وجهة نظر لا يستطيع أحد التقليل من وجاهته وهو حق من باب حريّة الرأي كذلك، وتماما كما موقف غير المقاطع في الوجاهة وحريّة التعبير. على ألّا يصل النقاش حول هذا الرأي وذاك حدّ الانتقاص من وطنيّة أي طرف. صحيح تماما أننا بوجودنا في الكنيست نجمّل الديموقراطيّة الإسرائيليّة، لكن الحدّ من هذا الطرح هو في شكل تصرّفنا في الكنيست بين التصرّف الجديّ والتصرّف الاستعراضيّ، علما أن تجميلنا للديموقراطيّة الإسرائيليّة لا ينحصر فقط في أروقة الكنيست، أليست الانتخابات المحليّة مثلا وجها من أوجه الديموقراطيّة الإسرائيليّة؟!
المتوخّى من أصحاب رأي المقاطعة هذه أن يعلّلوها بما شاءوا إلى ذلك سبيلا، ولكن المتوخّى منهم أيضا ألّا يبرّوا ذلك بالصراعات التي دارت بين الأحزاب حول تركيب القائمة الانتخابيّة ومهما كانت، تشفّيا مرّة ودعامة مرّة أخرى لموقفهم، فركوب التشفّي واعتماد مثل هكذا دعامة لموقفهم تسيء له.
الوقفة الثانية… مع المقاطعة الاحتجاجيّة.
كلّ ما كتبت في المدخل أعلاه صحيح ومرّة أخرى؛ ولكن وبغضّ النظر…
أولا: بالله عليكم دلّونا… ما الفرق، وحدويّا، بين قائمة واحدة وبين قائمتين مرتبطتين بفائض أصوات!؟
ثانيا: بالله عليكم دلّونا… لماذا القائمة الواحدة أفضل من القائمتين المرتبطتين بفائض أصوات انتخابيّا والكتوراليّا – زيادة العضوية!؟
وفي هذا، القادة السياسيّون يعرفون والمحلّلون والمعلّقون يعرفون، إنه وحسب طريقة توزيع المقاعد على فائض الأصوات حسب قانون “بدر-عوفر” حظّ القائمتين المرتبطتين أوفر كثيرا من القائمة الواحدة للفوز بمقعد إضافيّ. (وللتذكير؛ ولا أريد أن أزعل أحدا فبدون ذكر أسماء القوائم، ولكن للحقيقة والتاريخ ففي انتخابات العام 2013 حصلت إحدى قوائمنا على مقعدها الأخير بفضل هذا الارتباط). فإذا كان فعلا أحد أهدافنا زيادة العضويّة فأين الخطأ، وعلى ماذا المقاطعة الاحتجاجيّة؟!
ثالثا: بالله عليكم دلّونا… وعلى فرض أن الطيبي يحمل كلّ سيئات العالم، فكيف يكون الطيبي وحركته “كْشِيريم” في تحالف رباعي ويصيرون “طْرِيفيم” في تحالف ثنائي؟!
فاصل إعلانيّ: من المنسيّات، إنه في انتخابات العام 1999 خضنا نحن “حركة الوحدويّين الوطنيّين – مجموعة قطريّة تركت صفوف الجبهة” الانتخابات في تحالف مع “التجمّع الوطني الديموقراطي” وتحت قائمة باسم؛ “التجمّع الوحدوي الوطنيّ” انضمّ إليها لاحقا الطيبي، والصقنا صورنا طبعا على الحيطان في بيت جن، وفي الغداة وجدنا تحت صورنا وبالدِّهان الأسود “العُملاء” فتركناها دون محو. راحت شتويّة وجاءت شتويّة وطبعا راحت الصور وبقيت كلمة “العملاء”، وهلّت انتخابات 2003 وإذا بالنائب الطيبي مع الجبهة، فاتصلت بمرشّحها عبد الله أبو معروف طالبا أن يرسل لي صور المرشّحين، ووسط استغرابه قلت له: “على شان نعلقهم فوق العملاء”!
رابعا: ورغم إن الأمور غدت وراءنا، فالقيادات العربيّة أخطأت قراءة خطوة الطيبي بحصرها إياها في خانة المناورة. الطيبي لم يكن يناور وأقصى ما كان يتمناه وقد قرأ قوّته الميدانيّة، أن تبقى الأحزاب الثلاثة معا في المشتركة ويرتبط معها بفائض أصوات فما زبْطَت”. الأمر الطبيعي كان وبعد أن عقدت الإسلاميّة اتفاقها مع التجمّع وتوجّهوا للشراكة متّحدين، أن يتحالف مع الجبهة، وفي اعتقادي إن الجبهة بمرونتها وتحالفها عبّر قادتها عن مسؤوليّة يستحقّون عليها الثناء لا الاحتجاج ولا العقاب بالمقاطعة.
الوقفة الثالثة… مع طيّبي الثرى فؤاد بن إليعزر وجدعون عزرا!
إلى متى سنبقى نردّد الكذبة الجيفلزيّة (جيفلز؛ وزير داخليّة وإعلام هتلر والذي كان يردّد اكذب ثمّ اكذب يصدّقك الناس) التي سوّقها المذكوران حينها وعلى مآدب عربيّة من الرزّ واللحم الدسِم، من أن النواب العرب يتلهّون بالقضايا السياسيّة تاركين القضايا الحياتيّة للناس، لنصل إلى النتيجة القائلة: ما نفع التمثيل البرلمانيّ؟!
الوقفة الرابعة… مع القضايا الكبرى.
ما العيب في أن نطرح ويطرح نوابنا قضايانا الكبرى ومن على كلّ منبر!؟
العيب كلّ العيب أن نتخلّى كأقليّة عربيّة فلسطينيّة عن طرح القضايا الفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة وقضايا شعبنا وأمتنا؛ الوطنيّة والإقليميّة وفي كلّ مكان وزمان وبغض النظر عن إمكانياتنا في التأثير، وألّا نبقيها مواضيع نقاش بيننا ميدانيّا. وإلا تحوّلنا إلى قطيع نركض وراء الكلأ ليس إلّا، وتماما هذا ما تريده لنا المؤسّسة الصهيونيّة.
تغييب الطروحات الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة والوطنيّة والقوميّة عن ساحاتنا أو إفراغها منها، يخلي هذه الساحات للطروحات الذاتويّة الماديّة والتخلّفيّة الحمائليّة والطائفيّة وما شابه، ولنا فيما جرى في الانتخابات المحليّة البيّنة. وبالمناسبة هكذا كان الوضع في السنوات الأخيرة ميدانيّا بسبب نكوص الأحزاب عن العمل الميدانيّ مكتفين بأضعف الإيمان وكأن “المشتركة” بداية ونهاية الدِّين!
الوقفة الخامسة… مع أكتاف القيادات وربط الألسن.
ما دام الرأي الغالب فينا أن نلعب اللعبة البرلمانيّة، فالقيادات السياسيّة على خلاف المحترفين السياسيّين، والمثقّفون؛ الأدباء والأكاديميّون الموجَهون لا الموجَّهون على شتّى اختصاصاتهم، والكادحون الواعون على شتّى مجالاتهم، يحملون على أكتافهم مسؤوليّة كبرى في العزوف عن اجترار السيّئات التي رافقت المشتركة في حياتها ورافقتها في مماتها، وهم قادرون أن يفهموا الناس أن إرادتهم وأكثر من ذلك تتحقّق كذلك في القائمتين المرتبطتين بفائض أصوات، إن ربطنا ألسنتنا عن التجريح وكيل الاتهامات بديلا عن الطرح الحضاريّ … فشعبنا ليس أهبلا، وكمال المرء لا يتّم بالانتقاص من الآخر!
سعيد نفّاع
أواخر شباط 2019