هذه هي المجموعة القصصية الأولى التي يصدرها الكاتب رشيد اغبارية ، ابن قرية مصمص ، المقيم في عروس الكرمل حيفا ، الذي سبق وان صدر له مجموعة شعرية بعنوان ” حلم ليلة خوف “.
المجموعة صادرة عن دار النسيم للنشر ، واشتملت على 27 قصة قصيرة ، تتناول مواضيع متنوعة ومتباينة ، وتطرح قضايا وطنية وسياسية واجتماعية وفكرية ، وعناوينها مستمدة من واقعنا الفلسطيني الملوث بالاحتلال وغول الاستيطان ، وبنار القهر والاضطهاد والتمييز العنصري ومصادرة الأرض وتشويه وتزييف الوعي الوطني .
إنها قصص تحكي عن الحال الفلسطيني ومعاناة الإنسان الفلسطيني الذي يحمل الهوية والجواز الاسرائيلي ، وتصور حياة القهر اليومي وتناقضات الحياة التي يعيشها ، إضافة إلى قصص أخرى تغوص عميقًا في عالم الخيال العلمي والفانتازيا .
لقد تحوّل رشيد وانتقل من عالم الشعر إلى عالم السرد القصصي ، وعكف على تطوير أدواته وأسلوبه وسرده ، وتدل قصصه بمضامينها ولغتها وأحداثها على خلفية ثقافية ، ومخزون فكري ، ورؤية واقعية . وما يميزه سمة الصدق والمصداقية المفعمة ، التي تتجلى في أحداث وسير قصصه القصيرة . كيف لا وهو يمارس حياته مع أبناء شعبه ، ويرى بأم عينيه التمييز السلطوي المسلط على أعناقهم ، ويحسه على جلده .
تتفاوت قصص المجموعة من ناحية السرد والمستوى والمضمون والمونولوج الداخلي ، وهذا من طبيعة الأشياء الخاضعة لقانون التطور كأي كائن حي آخر.
أما أسلوبه السردي القصصي فيرضي ذوق القارئ المثقف ، ولا يثقل على القارئ العادي . فهو منوّع الصور الحياتية ، دافئ كالشمس ، والكثير من قصصه مرصعة بالمواقف الإنسانية القريبة من الفانتازيا ، ولكنها ممكنة الحدوث .
وفيما يخص الجوانب الفنية في قصص المجموعة ، فلا شك أن رشيدًا أظهر مقدرة أدبية ملموسة في استخدامه وتوظيفه لوسائل التكنيك الفني الحديث في القصة القصيرة ، واعتماده أسلوب الحكاية مما اتاح له التحرك والتمدد بسهولة والانتقال سريعًا إلى اكثر من لقطة أو حادثة ، وافاده في تكديس الحوادث والشخوص واستغلال الحركة في الزمان والمكان . وإننا نجد حشدًا من الصور الفنية والبيانية القياسية التي تعتمد في تقنيتها على المونولوج الداخلي مرة و” التداعي الذهني ” من جهة أخرى .
وهو يلجأ إلى العبارات السردية والجمل الوصفية المكثفة التي ساعدت إلى حد ما في تخفيف حدة الإطالة وابعاد الملل والارهاق عن عيون القارئ .
لقد أمتعنا رشيد اغبارية وقدّم لنا قصصًا واقعية وخيالية خفيفة الظل ، اتسمت ببساطة أسلوبها ، وصدق تعابيرها ، وكثافة معانيها .
وبمجموعته ” الغريب في شارع صهيون ” يضع رشيد اغبارية خطواته الأولى وأقدامه على بساط السرد القصصي ، فليواصل مشواره ، والمستقبل أمامه ليثبت نفسه وحضوره في هذا المضمار، وبدوري أتمنى له المزيد من النجاح والتوفيق والعطاء والتألق ، وله خالص التحيات .