تحل هذه الأيام ذكرى رحيل الشاعر الجليلي العبليني المربي جورج نجيب خليل، الذي يعد من القامات الشعرية والأدبية واللغوية السامقة، ومن الرعيل الأول لشعرائنا المحليين. وهو صاحب أول ديوان شعر يصدر باللغة العربية في بلادنا، كان اطلق عليه اسم ” ورد وقتاد “.
وكان الراحل العزيز جورج نجيب خليل قد أهداني مجموعة من دواوينه كتبت عن بعضها آنذاك، وكان لي شرف التعرف عليه شخصيًا في منزل الشاعر شفيق حبيب بدير حنا، عندما كنت ضمن وفد تضامني من المثلث برئاسة عضو الكنيست عن الجبهة في حينه المرحوم هاشم محاميد، كان زار الشاعر حبيب تضامنًا معه بعد خروجه من السجن ومحاكمته على خلفية أشعاره عن الانتفاضة ومصادرة ديوانه.
جورج نجيب خليل من مواليد قرية عبلين في الجليل العام ١٩٣٢، تعلم في قريته وفي ابتدائية شفاعمرو، وانهى دراسته الثانوية في صفد، التحق بسلك التدريس وعمل معلمًا منذ العام ١٩٤٨ وحتى العام ١٩٩٤. وأشغل رئيسًا لمجلس قريته، وساهم في كثير من اللجان والهيئات في عبلين.
وهو من مؤسسي رابطة الكتاب العرب وسكرتيرها، والمشرف على مجلتها ” مشاوير ” المحتجبة.
نشر قصائده في العديد من الصحف والمجلات الأدبية والثقافية، منها مجلة ” الفجر ” التي كان يعمل فيها الشاعر المرحوم راشد حسين، و ” المجتمع ” التي كان يصدرها الشاعر المرحوم ميشيل حداد، وفي حقيقة الامر واليوم والمرصاد والجديد والاتحاد والأنباء وصدى التربية والسلام والخير وسواها.
وفي العام ١٩٨٠ أصدر مجلة ” الرسالة ” التي صدرت دون انتظام ، وترأس تحرير مجلة ” الشرق ” الشفاعمرية بين الأعوام ١٩٩١- ١٩٩٣.
وفي أواخر شهر كانون الثاني وتحديدًا في السادس والعشرين منه، غادر الدنيا، تاركًا أثرًا طيبًا وسيرة عطرة وارثًا شعريًا وأدبيًا ضخمًا.
صدر له : ورد وقتاد، على الرصيف، من حقل الحياة، بلادي، الشعر العربي في خدمة السلام، خوري عبلين، سطر يا قلم، لهيب الحنين، من على منابر قريتي، دموع لا تجف، قوافل الحيارى، بؤساء، فليخجل التاريخ، راسخون، حضارة الكلمة، الموءودة، ألحان الطالب، أعلام السنابل وغير ذلك.
وله أيضًا مجموعة من الكتب الناجزة غير المطبوعة.
كان جورج نجيب خليل شاعرًا مجيدًا، غزير الانتاج، ثر العطاء، ضليعًا في اللغة، متمكنًا من الاوزان والعروض الشعرية، وعازفًا ماهرًا على آلة العود، لم يعجز يومًا عن الكتابة والقول في أي باب أو موضوع أو أي غرض شعري. طرق الكثير من الموضوعات والموتيفات، وتغنى كثيرًا ببلده ومسقط رأسه عبلين جوهرة الجليل.
كتب في الحب والغزل والرثاء والوصف والطبيعة، وحاكى الأرض والوطن والجرح الفلسطيني، وتناول المناسبات والاجتماعيات، واجاد البوح والقول والتعبير بكل ما كتب وأبدع.
اتسمت كتاباته بحسن المعاني، وجمال الصور، والألحان العذبة الجميلة، وبدقة وبراعة الوصف، وبساطة التراكيب، وقلما نجد في شعره فكرة غامضة أو مقطوعة يلتبس فهمها.
من جميل قوله في قريته عبلين قصيدة ” قارورة العطر “، ويقول في مطلعها:
جودي بعطرك يا قارورة الطيبِ
فنبعك الثر دفاق الشآبيب
فاخري بشباب في جوانحهم
ما يرفع الرأس من ذوق وتهذيب
ومن شعره الوجداني الغزلي الرائع، قوله:
والقد حلو سكرنا من تأوده
كأنه شمعة في دير نساك
فليس احلى من التعذيب تبعثه
حسناء ذات جبين ضاحك باك
ورثى جورج رواد الفن والغناء العربي الأصيل منهم فريد الاطرش وام كلثوم وعبد الحليم، ومما قاله في كوكب الشرق أم كلثوم:
ان غنت ( الاطلال ) ذاب فؤادنا
من كثرة التنويع والتشكيل
واذا شدت ( انساك ) ضمخنا الشدا
فصداحهما ارج لكل خميل
جورج نجيب خليل شاعر صداح ملهم عفوي صادق المشاعر والحس، واضح وضوح الشمس، عذب الكلمة، جميل النغم والايقاع، محب لبلده وعاشق لوطنه دون طنطنه أو شعارات، وشعره كقارورة عطر لا تتبخر. وهو شاعر الحب والجمال والوصف والطبيعة والحنين والوطن، فطاب ثراه، وعاشت ذكراه خالدة في القلب والوجدان وسجلات التاريخ الأدبي والثقافي الفلسطيني.