*هل من ادب عالمي خلو من المرأة والرجل والجنس؟* يندر وجود كتاب تراثي خلو من المواضيع الجنسية وهناك كتب خصصت للجنس فقط* الأدب العربي المعاصر يواجه محاكم تفتيش دينية في العالم العربي* الجنس هو من مكونات الحياة الإنسانية*
*****
تعرضت قبل سنوات، لتهجمات شخصية تحت صيغة ملاحظات نقدية، بسبب رواية كنت قد نشرتها تحمل عنوان “امرأة على الطرف الآخر” بحجة انها مليئة بالجنس، واليوم تكرر الهجوم برسالة من “مثقف كبير” بشهادة دكتوراه (لا اعرف بأي مبلغ نقدي حصل عليها) قرأ الرواية واثاره الجنس في الرواية .. ربما من “قصر ديلك يا أزعر” فأرسل لي رسالة “نقدية أخلاقية” مليئة بمواعظ وهرطقة فكرية، لا شيء ثقافي فيها .. الا إذا اعتبرنا التفاهة جزء من الثقافة.
الأمر الأساسي الذي اعجبني إني تلقيت اثباتا على نجاحي في صياغة نص روائي جذاب، معبرا عن واقع انساني هو ضمن حياتنا الاجتماعية وحياة سائر المجتمعات.
بالطبع ليس هذا ما دفعني لكتابة هذه الملاحظة الثقافية، فرأي شخص متحجر ومغلق لا يهمني، انما دافعي لكتابة هذه الملاحظة الثقافية عن الجنس في الأدب. حتى اليوم لم اقرا أدبا يستحق تسمية رواية او قصة او شعر، دون ان يشمل الجنس بمفهومه الشامل، من أبسط أشكال العلاقة، حتى أكثرها عمقا وتوترا وانصهارا.
هل من ادب عالمي خلو من المرأة والرجل والجنس؟ وهل من ادب عربي، يستحق تسمية الأدب بدون ان يكون الجنس او العلاقة مع الحبيب او الحبيبة، في مضمون النص النثري او الشعري؟
من أعظم الروايات العربية التي اسرتنا هي رواية جنس مباشر، وأعني رواية “الخبز الحاف” للكاتب المغربي محمد شكري.
المرأة في الأدب، ليست مجرد شكلا هندسيا، انما انسانا كاملا، بايجابياته وسلبياته، تماما مثل الرجل. والعقلية التي تظن ان الرجال قوامون على النساء، وأوصياء على الأخلاق حتى في النص الأدبي، هم نبتة غريبة في المجتمع البشري المعاصر. هم بقايا منقرضات مصيرها الاختفاء. وكل ما يعبرون عنه من أفكار محافظة ومن رفض للجنس في الأدب، سيكون محط سخرية وهزل، والمضحك انهم اذا ما تحدثوا عن سجلهم العشقي، نراهم يتفاخرون ويتباهون بإنجازاتهم الرقمية.. فبأي حق يصبحون قضاة اخلاق عندما يقعدهم العمر؟
التراث العربي على اختلاف ابوابه اعتنى بالجنس، ويندر وجود كتاب تراثي خلو من المواضيع الجنسية. هناك كتب خصصت للجنس فقط، مثل “نزهة الألباب”، و “رجوع الشيخ الى صباه” و”تحفة العروس ومتعة النفوس” و “الروض العاطر” وكتب تراثية هامة خصصت ابوابا للجنس، مثل كتاب “الأغاني” و ” العقد الفريد”، و”نثر الدر” و”الامتاع والمؤانسة” و”البيان والتبيين”. تقريبا لا يخلو كتاب تراثي او حتى ديني من مواضيع الجنس والحب والخلاعة والمجون، بل والشذوذ الجنسي ..
هل ما كان مسموحا الكتابة عنه في الماضي، ممنوع اليوم؟ وهل الثقافة الجنسية التي انتجتها مجتمعاتنا القديمة، كانت شرعية، واليوم تسحب شرعيتها؟ ربما يجب جمعها وحرقها حفظا لأخلاق العرب؟ الجنس ممنوع اما زواج المتعة وزواج المسيار وزواج السياحة و30 نوعا آخر من فنون وجنون الزواج او الجنس الاباحي للدقة، وملايين الأطفال بلا اب ويشكلون حالة أخلاقية ومأساوية في المجتمعات العربية، هو امر متاح، ورواية تعالج واقع اجتماعي تسحب شرعيتها وشرعية كاتبها؟
اذن يا عزيزي الناقد آسف لأني أثرت شهواتك العتيقة، وذكرتك بأيام ركضك وراء التنانير .. ويبدو ان غضبك بسبب فشلك في الوصول الى مبتغاك وانت شاب، فكيف هي حالك اليوم وقد صرت مجرد مراقب محروم يشتهي ما يرى، فيصب غضبه على نص أدبي يذكره بانه كان صائدا نسائيا فاشلا؟
هل حان الوقت حسب تفكيرك لحرق كتب التراث العربي التي جعلت من الجنس محور مواضيعها؟
هل بإمكانك عزيزي الناقد ان تشير الى رواية عربية جيدة لا مكان فيها للجنس؟
هل قرأت رواية “بنات الرياض” للكاتبة السعودية رجاء عبد الله الصانع التي تحدثت عن العلاقات بين الجنسين أي بين الرجال والنساء داخل المجتمع السعودي المحافظ والمغلق لدرجة نفي المرأة بل ونفي انسانيتها، الكاتبة الجريئة لم تتردد في تصوير العلاقات الجنسية، وهذه الرواية نجحت بشكل كبير جدا وربما كانت من أكثر الروايات العربية توزيعا ومبيعا؟
اعرف ان الأدب العربي المعاصر يواجه محاكم تفتيش دينية في العالم العربي. تمنع نشر بعض الكتب، وتصادر كتبا بتهم انها تخدش الحياء، لكن لا تخدش حياء زواج المتعة، وتسجن كتابا بتهم الكفر.
الموضوع ليس ما يطرحه الكاتب في اعماله الإبداعية، انما قدرته على التعبير عن عصره بكل تشعبات هذا العصر وتناقضاته. وبلا شك ان الجنس يشكل حيزا واسعا في حياة الانسان والمجتمع. ان التغاضي عن الجنس تحت ستار الأخلاقيات هو أمر مناقض للأخلاق.. بل دجل أخلاقي وزنى فكري لتغطية القمع الثقافي والفكري.
يدعون الطهارة بينما يرتكبون كل الموبقات وأعمال الفساد الاجتماعي والسياسي والثقافي، وهو أكثر حقارة من الزنى الجنسي.
الجنس هو من مكونات الحياة الإنسانية، والأدب له وظيفة بصفته تعبيرا عن الوعي الاجتماعي الإنساني، ولا يمكن ان يكون خلوا من علاج قضايا الجنس بكل ابعادها الإنسانية والأخلاقية.