الصحفيون هم اول من يفتح ابواب الثورات الوطنية والفكرية

بقلم: عيسى قراقع   نائب في المجلس التشريعي  الفلسطيني                                                  رئيس هيئة الاسرى والمحررين سابقاً

 على خشبة  مسرح مؤسسة بوتين للثقافة والاقتصاد في بيت لحم يوم 13-10-2018 ،جرى توقيع كتاب الاستاذ الصحفي ابراهيم ملحم، والذي جاء بعنوان “الصحافة من البليت الى التابليت”، وقد اخذنا في سيرته الشخصية الى السيرة الجمعية وهو يوثق من خلال تجربته الصحفية مراحل هامة وتفاصيل تاريخية مرت بها الصحافة الفلسطينية، وكأنه يعيد احياء الامكنة والافعال والاشخاص ويضبط الزمن بكلمات واصابع وذاكرة فلسطينية.

الكتاب هو رواية لمسيرة تاريخية للصحافة الفلسطينية التي استطاعت ان تظل في العاصفة، وتحافظ على المكان المنهوب والمدمر، برسن العبارة وبنبرة الصوت وبسحر الكلمة وبدهشة الصورة، وكشف ما اندثر من زمان ومكان واسماء، احياء وشهداء، لتكون الصحافة في معركتها ضد المستعمرين والمحتلين هي المواد الأولية لبناء بيت ووطن، فهنا كنا وهنا سنكون، لم يكن المكان خواء كما يدعي المحتلون، هنا كان نجيب نصار واميل حبيبي واسماعيل شموط وبشير البرغوثي ومحمود ابو الزلف وعلي  الخليلي، وعيسى العيسى، وابراهيم الشنطي وناجي العلي، وحسن عبد الحليم، ويوسف نصر، واحمد العقاد ، وخليل بيدس واحسان النمر، اميل توما واكرم زعيتر وبولس شحادة، وغسان كنفاني، عبدالله نعواس، عارف العزوني واميل الغوري، ورضوان ابو عياش وجميل البحري وسلافة سليم وقيس الزبيدي وسميرة عزام وأسمى طوبى ، وغيرهم الكثيرون من رواد النهضة الفكرية والاعلامية في فلسطين، على اياديهم رائحة الحبر التي تشبه رائحة الدم.

الكاتب ابراهيم ملحم في سرد تجربته الصحفية ينطلق من ادراكه ان من يريد معرفة تاريخ وحضارة أي شعب فليقرأ صحافته وعمله الاعلامي، وهذا ما اقلق المحتل الاسرائيلي الذي لاحق الصحفيين وقتلهم وخطفهم وشطب نتاجاتهم الاعلامية والثقافية وزجهم بالسجون، واشتغل مقص الرقيب فوق اصابعهم وكتاباتهم وخيالاتهم، واطفأ صورهم واخمد اصواتهم.

لم يكتف الاحتلال الاسرائيلي بشطب ونهب ومحو المكان بل طارد الثقافة والفكر الاعلامي لأنها ثقافه تحررية قتالية تروي تاريخ شعب حي وتفضح القوة الاستعمارية الهدامة للاحتلال، وتنشر الوعي الوطني والانساني وتنتج المعرفة، فالاحتلال لا يجري فقط في الحيز الجغرافي بل في حيز الوعي والذاكرة.

يقول الباحث طريف الخالدي ان من دون التاريخ الفلسطيني غير الرسمي بين سنوات 1900-1948 كانوا بالأساس الصحفيين والمفكرين، ليشكل هذا التدوين بديلاً للرواية الصهيونية والبريطانية، ويؤكد ان كتابات الصحفيين اسهمت في بلورة رواية ذات مميزات قومية ووطنية وفي بلورة الهوية الفلسطينية، لهذا تعمد الاحتلال الاسرائيلي نهب واخفاء وتدمير الكثير من الكنوز الثقافية والاعلامية الفلسطينية، وذلك للسيطرة على ثقافة الشعب الفلسطيني ومنع نشرها بغية تحقيق اهدافه الاستعمارية وتعزيز روايته الاحلالية، وهذا ما اوضحه ابراهيم ملحم في سيرته عندما قال: ان الصحافة هي تاريخ الأمة في تفكيرها وثقافتها واقتصادها وادبها وفنها وسياستها وانماط حياتها واساليب نضالها.

مؤرخ الصحافة العربية في فلسطين احمد خليل العقاد في كتابه تاريخ الصحافة العربية في فلسطين يوثق ويبرز دور الصحافة في التصدي لكل المؤامرات على الوطن الفلسطيني خاصة في العهد البريطاني وصدور وعد بلفور المشؤوم، عندما كشف ان الصحافة الفلسطينية وقفت بالمرصاد ازاء هذه المؤامرة الكبرى التي كانت تهدد فلسطين والوطن العربي، فعاشت في حرب لا هوادة فيها ضد الاستعمار الصهيوني وضد السماسرة والخونة وباعة الاراضي، وكان كل صحفي يبذل اقصى جهوده محاولاً ان يستمر صوته في الوصول الى اذهان الجماهير مقدماً كل امكانياته في هذا السبيل، ولم يكن أي منهم يتوقف عن تأدية رسالته الا بعد ان ينضب ماله او تأمر سلطات الاحتلال بإلغاء صحيفته او اعتقاله.

ابراهيم ملحم في كتابه يضع رؤية تحدد ان مهمة الصحفيين هي مهمة نضالية انسانية تحررية اجتماعية، تقع على عاتقهم مسؤولية عالية وشجاعة فائقة ومصداقيه، لانهم ليسوا مؤرخين مشدودين فقط الى الماضي، فعيونهم مفتوحة على الحاضر والمستقبل، فهم مبدعون مقاتلون وثائرون وحالمون، وهم من يكسرون الصورة النمطية لشاعر القبيلة، هنا صوت فلسطين وليس صوت السلطان.

يرفض ملحم ان يكون كصحافي من اطفال الانابيب والحواريين المسيطر على عقولهم وافكارهم، فهو يريد صحافة حرة لها عين ناقدة وثاقبة، يستطيع من خلالها ان يلقي حجراً ليحرك المياه الراكدة والآسنة، صحافة لها القدرة على التأثير، ولا تسكت عن طرح الاسئلة الصعبة، وترفض العمل مع حملة المباخر وكتّاب التدخل السريع الذين يسارعون للدفاع عن اخطاء الحكومات والمسؤولين وتزيينها للناس كأنجازات، فالسلطة حتى تكون قوية يجب ان تتكىءعلى اعلام قوي جسور غير مذعور.

الفلسفة التي استند اليها ملحم في سيرته الصحفية تقول ان الصحافة هي رسالة وليست تجارة، وان الصحفيين هم اول من يفتح ابواب الثورات الفكرية والوطينة والاجتماعية، يصنعون الرأي العام ويحدثون التغيير.

 

كتاب الصحافة من البليت الى التبليت، هو تحية وفاء من الكاتب لجنود الكلمة الحرة الذين عملوا في دواليب المطابع حتى مطلع الفجر، صبّوا الحروف في الكلمات وانطقوا الورق، تحركوا في كل الامكنة، حركوا الأثير والهواء ونشروا الصور، هزوا الضمائر وفتحوا العيون والرأي العام على ما يجري في فلسطين من جرائم منظمة ترتكبها سلطات الاحتلال الاسرائيلي , وكما وصفهم محمود

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .