مع ديوان ” نشوة النخيل ” لمقبولة عبد الحليم بقلم: شاكر فريد حسن 

 

اهدتني الشاعرة المنداوية الجليلية الفلسطينية مقبولة عبد الحليم، مجموعتين شعريتين لها، هما ” عبق الصنوبر ” و ” نشوة النخيل “، وكان قد صدر لها بالإضافة لهما ” لا تغادر، قصائد تبحث عن وطن، لمسات على خد الصباح، وفي عينيك تكتبني القصيدة”. وهي بصدد اصدار ديوانها السابع.

ومقبولة تكتب على محورين، المحور الغزلي العاطفي، والمحور الوطني، مع أن الغزل والرومانسية تغلب على قصائدها.

وأكتفي الآن بالتوقف مع ديوانها الاخير ” نشوة النخيل “، الذي لا يختلف بموضوعاته ومضامينه وأسلوبه وصوره عن قصائد دواوينها السابقة، فهو استمرار لديمومة وسيرورة خطابها الشعري الذي تميزت به من ناحية التعبير والبوح والصياغة والشكل الفني ، والتزامها بالعروض والقوافي والاوزان وأسس القصيدة العمودية وشعر التفعيلة.

جاء الديوان في ١٢٣ صفحة من الحجم المتوسط، وتصدرته كلمة عن ” المقبولة ” كتبها د. عبد السلام البسيوني، وأهدته الى ” الذين يقفون خلف الحرف في احساسي، ويمنحونه القدرة على أن يفوز، ويصير على ثغري الندي قصيدة “.

ويبدأ بقصيدة ” نشوة النخيل ” الذي تحمل عنوانه، وتنتهي بقصيدة ” سلطانة “.

ويضم الديوان ٦٢ قصيدة كانت كتبتها في السنوات الأخيرة، وجاءت مضامينها، على تنوعها، ضمن خيط واحد، وبقالب شعري فني مألوف لها من حيث الشكل والأسلوب التعبير، والاعتماد على الصورة الشعرية الحسية بشكل متماثل ومتداخل تمامًا مع المعنى المجرد الذي تبتغيه.

وقصائد الديوان مجدولة بتلابيب العشق كالمقلوبة، مجبولة بالإحساس المرهف، والخيال الشعري، نبرتها عالية، نشم فيها عطر التراب ورائحة البحر وأريج الورد والريحان، ونسمع من خلالها همسات العشاق والمحبين، وهمس الفراشات، وتغريد العنادل، ونلمس الأنا المتضخمة الطاغية حتى درجة النرجسية.

فهي نصوص نضجت على نار هادئة، تحمل في ثناياها العذوبة والرقة وسلاسة التعبير وشفافية الروح وجمال البوح. وتتناول موضوعات مختلفة بحس مرهف وعاطفة جياشة، فيها حب وغزل ومناجاة ورومانسية حالمة وهمسات دافئة، وفيها حزن وبكاء ورثاء،  وموغلة في الوصف ، واخرى وطنية تحاكي القضية والواقع.

ومن قصائدها في الحب والغزل التي استعذبتني قصيدتها ” ليس الشهد فاها “، التي عشت بين حروفها وتفاعلت مع معانيها وكلماتها المدهشة الدافئة، حيث تقول:

سلوا قلبًا تدله في شذاها

سلوه، إذ بها عشقًا تماهى

سلوه حين ينبض أو يغني

ويطلق عشقه آها فآها

يغازلها ويكتب في بهاها

قصيدته التي طرب شداها

لتعرف كم بها تيها وعشقًا

براه الوجد كي يأتي وراها

يسائل طيفها: هل سوف تأتي

وهذا القلب أغرق في هواها

مهاتي لا ترى أني عميد

أذوب بلحظها لا في سواها

فهل تدنو ليكتمل انبهاري

وأثمل صبوة لما أراها ؟!

رآها بعد سهم أرسلته

وأقبل سعده لما رآها

وكانت حيث ذاك النهر يجري

تراقب بفيض من هواها

فقالت بالإشارة: أنت عندي

محل النبض والأنفاس يا ها

ومقبولة عبد الحليم هي ابنة الزيتون، الأرض عنوانها، ومهد الحضارة، والقدس قصيدتها، لا تستهين بالحرف وتصوغه من حبر القلب، وهذا ما عبرت عنه وأشارت اليه في قصيدتها ” وأني ابنة الزيتون “.

وفي مراثيها نستشف ألم الفراق، ووجع الرحيل، وشوق البعد، حتى درجة التأثر والانفعال الشديد والبكاء، فلنسمعها وهي ترثي خالتها وتناجي روحها الطاهرة في قصيدتها ” أو ترحلين ” :

ووجهك البدر الذي

ما غاب يومًا عن ظلالك

ما زال يبسم للصباح

فتشتكي منه الورود

تغار من وهج السنا

من حسن حالك؟!

أوترحلين

وفي شرايين الدنا

شريانك الحاني

وفي عين المدى

ما زالت الأنداء ترسم للعصافير السعيدة

لحن فجرك وانثيالك!؟

وتنشد مقبولة للقدس، وتتوجه بإهداء للمرابطين في الأقصى الشريف، وذلك في قصيدتهيا ” بالقدس لميني “، و ” باب العامود “، فتقول:

من ذا يلملم دمعة الأقصى المهيبة

اخبريني

وامسحي عن لحظ عيني الغشاوة

وانثري حرفي

على كل المعابر

كي تراه الريح

عل الريح تحكي لي

مجيبة هيا اكتبيني

وتخاطب الحرائر اللواتي وقفن بكل عزة ومجد وشموخ بباب العامود ورفعن النداء وصغن ملحمة الكرامة، فاليهن تكتب حرفها وزهر القصيد، وبهن تعتز وتفتخر، فهن ” أرقى وأنقى من الساكنين قصور الرياء “.

وتطغى ” الأنا ” على العديد من نصوص مقبولة، حيث تكررها وتستخدمها بكثرة ، كقولها مثلًا:

أنا لا الوم الروح لو رقت اليك

وأتتك مثل الهمس كي تغفو لديك

أنا قد وهبتك كل ما يحوي دمي

تلك المحبة ريها من أصغيرك

أنا لا أبالي لو سبتك خميلة

ستعود حتمًا .. والسراب براحتيك

فلا حاجة لذلك، وكان بالإمكان الاستغناء عن استخدامها في هذه الأبيات، ولكن على ما يبدو تعمدت توظيفها لغاية في نفسها.

وفي قصيدتها ” فرس الرهان ” يتبدى اعتدادها بذاتها، فهي تحكي وتتحدث عن نفسها حتى التعبد في محراب عشق الذات، فتقول أن ” المقبولة ” هي من روضت شمس القوافي، وأنها خنساء العصر، تحلق في سماء البوح، ويغار النجم منها إذ يراها، وانها فرس الرهان.

واللافت للانتباه كثرة الصور في الديوان، وباعتقادي أن هذه الصور لا حاجة لها، فالديوان ليس صحيفة ولا مجلة، فلكل مقام مقال، وهذه الصور أثرت وانعكست سلبًا  على الاخراج الفني للديوان، حيث كان يمكن اخراجه وطباعته بصورة أفضل.

وفي سياحتنا بين صفحات الديوان نلتقي قصائد متعددة، متشحة بالحزن والأسى، وأخرى تصطبغ بالحب والتفاؤل والأمل، والتركيز على الذات، تتفاوت فيما بينها من ناحية الجودة والجمالية الفنية، وتعول فيها مقبولة على استخدام أدوات شعرية متنوعة لتجسيد رؤيتها وخطابها الشعري. ونلحظ أن أدواتها امتزجت بإبعاد رؤيتها، ومن تلك الادوات استخدام اللغة الحسية الحية الرشيقة، والصورة الشعرية الخلابة، والايقاع النغمي، والحوار الشعري، والتمسك بالبناء الهندسي الفني القديم للقصيدة.

واستطاعت مقبولة عبد الحليم عبر متخيلها الشعري أن تحول الحانها إلى الحان عذبة وشجية، ينبعث منها الحب والأمل والدفء ونبض القلب ووهج الروح.

فلها تحياتي وتمنياتي لها بالمزيد من العطاء ومواصلة مشوار الكتابة ولكن بدون ” ايغو ” عالي.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .